التفاسير

< >
عرض

بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ
١
-الفاتحة

البرهان في تفسير القرآن

256/ [1]- علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى ابن جعفر (عليه السلام).
قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام).
قال: و حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن حماد، و عبد الرحمن بن أبي نجران، و ابن فضال، عن علي بن عقبة.
قال: و حدثني أبي، عن النضر بن سويد، و أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام).
قال: و حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، و هشام بن سالم، و عن كلثوم بن الهرم، عن عبدالله بن سنان، و عبدالله بن مسكان، و عن صفوان، و سيف بن عميرة، و أبي حمزة الثمالي، و عن عبدالله بن جندب، و الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
قال: و حدثني أبي، عن حنان، و عبدالله بن ميمون القداح، و أبان بن عثمان، عن عبدالله بن شريك العامري، عن المفضل بن عمر، و أبي بصير، عن أبي جعفر و أبي عبدالله (عليهما السلام)، قالا في تفسير { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }.
قال: و حدثني أبي، عن عمرو بن إبراهيم الراشدي، و صالح بن سعيد، و يحيى بن أبي عمران الحلبي، و إسماعيل بن مرار، و أبي طالب عبدالله بن الصلت، عن علي بن يحيى، عن أبي بصير، عن أبي‏ عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن تفسير { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } قال: "الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم ملك الله، و الله إله كل شي‏ء، و الرحمن بجميع خلقه، و الرحيم بالمؤمنين خاصة".
257/ [2]- محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن تفسير { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }، قال: "الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم مجد الله- و روى بعضهم: الميم ملك الله- و الله إله كل شي‏ء، الرحمن بجميع خلقه، و الرحيم بالمؤمنين خاصة".
258/ [3]- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن أسماء الله و اشتقاقها، و الله مم هو مشتق؟ فقال: "يا هشام، الله مشتق من إله، و الإله يقتضي مألوها، و الاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئا، و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك و عبد اثنين، و من عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أ فهمت يا هشام؟".
قال: قلت زدني. قال: "لله تسعة و تسعون اسماء، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها، و لكن لله معنى يدل عليه بهذه الأسماء، و كلها غيره.
يا هشام، الخبز اسم للمأكول، و الماء اسم للمشروب، و الثوب اسم للملبوس، و النار اسم للمحرق، أ فهمت- يا هشام- فهما تدفع به و تناضل به أعداء الله، المتخذين مع الله عز و جل غيره؟".
قلت: نعم، فقال: "نفعك الله به و ثبتك، يا هشام".
قال هشام: فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.
259/ [4]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن ابن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن معنى الله، فقال: "استولى على ما دق و جل".
260/ [5]- ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبدالله، عن محمد بن عبد الله، و موسى بن عمر، و الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن ابن سنان، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الاسم، ما هو؟ فقال: "صفة لموصوف".
261/ [6]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن‏ العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سئل عن { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }، فقال: "الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم ملك الله".
قال: قلت: الله؟ قال: "الألف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، و اللام إلزام الله خلقه ولايتنا".
قلت: فالهاء؟ قال: "هوان لمن خالف محمدا و آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)".
قلت: الرحمن؟ قال: "بجميع العالم".
قلت: الرحيم؟ قال: "بالمؤمنين خاصة".
262/ [7]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن سعيد مولى بني هاشم، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى (عليه السلام) عن { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } فقال: "معنى قول القائل: بسم الله، أي: أسمي على نفسي سمة من سمات الله عز و جل و هي العبادة".
قال: فقلت له: و ما السمة؟ قال: "العلامة".
263/ [8]- و عنه، قال: حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسر (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، و أبو الحسن علي بن محمد بن سيار، و كانا من الشيعة الإمامية، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) في قول الله عز و جل: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }، فقال: "هو الله الذي يتأله إليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء عن كل من هو دونه، و تقطع الأسباب من جميع من سواه، تقول: بسم الله، أي استعين على أموري كلها بالله، الذي لا تحق العبادة إلا له، و المغيث إذا استغيث، و المجيب إذا دعي.
و هو
ما قال رجل للصادق (عليه السلام): يا بن رسول الله، دلني على الله ما هو، فقد أكثر علي المجادلون و حيروني؟ فقال له: يا عبدالله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. فقال: هل كسرت بك، حيث لا سفينة تنجيك، و لا سباحة تغنيك؟ قال: نعم.
قال الصادق (عليه السلام): فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال:
نعم. قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشي‏ء هو الله، القادر على الإنجاء حيث لا منجي، و على الإغاثة حيث لا مغيث.
ثم قال الصادق (عليه السلام): و لربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } فيمتحنه الله عز و جل بمكروه، لينبهه على شكر الله تبارك و تعالى و الثناء عليه، و يمحق عنه وصمة تقصيره، عند تركه قول: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }.
قال: و قام رجل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: أخبرني ما معنى { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }؟
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): حدثني أبي، عن أخيه الحسن، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام): أن رجلا قام إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } ما معناه؟
فقال: إن قولك: الله، أعظم اسم من أسماء الله عز و جل، و هو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمى به غير الله، و لم يتسم به مخلوق.
فقال الرجل: فما تفسير قول الله؟
قال: هو الذي يتأله إليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من [هو] دونه، و تقطع الأسباب من كل ما سواه، و ذلك [أن‏] كل مترئس في هذه الدنيا، و متعظم فيها، و إن عظم غناه و طغيانه، و كثرت حوائج من دونه إليه، فإنهم سيحتاجون حوائج [لا يقدر عليها هذا المتعاظم، و كذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج‏] لا يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته و فاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله عز و جل يقول:
{ { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } "1" [الأنعام: 40-41] فقال الله جل و عز لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي، إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال، و ذلة العبودية في كل وقت، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون و ترجون تمامه و بلوغ غايته، فإني إن أردت أن أعطيكم، لم يقدر غيري على منعكم، و إن أردت أن أمنعكم، لم يقدر غيري على إعطائكم، فأنا أحق من يسأل، و أولى من تضرع إليه.
فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } أي: استعين على هذا الأمر، الذي لا تحق العبادة لغيره، إلا له، المجيب إذا دعي، المغيث إذا استغيث، الرحمن الذي يرحم يبسط الرزق علينا، الرحيم بنا في أدياننا، و دنيانا، و آخرتنا، خفف علينا الدين، و جعله سهلا خفيفا، و هو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه".
ثم قال:
"قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من حزنه أمر تعاطاه فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } و هو مخلص لله، و يقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا، و إما يعد له عند ربه و يدخر له، و ما عند الله خير و أبقى للمؤمنين" .
264/ [9]- العياشي: عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، في تفسير { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } فقال: "الباء بهاء الله، و السين سناء الله، و الميم مجد الله- و رواه غيره عنه: ملك الله- و الله إله الخلق، الرحمن بجميع العالم، الرحيم بالمؤمنين خاصة".
و رواه غيره عنه: "و الله إله كل شي‏ء".
265/ [10]- عن الحسن بن خرزاذ، قال: كتبت إلى الصادق (عليه السلام) أسأل عن معنى الله. فقال: "استولى على ما دق و جل".
266/ [11]- تفسير الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: "قال الصادق (عليه السلام): و لربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } فيمتحنه الله بمكروه، لينبهه على شكر الله و الثناء عليه، و يمحو عنه وصمة تقصيره، عند تركه قول: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }.
لقد دخل عبدالله بن يحيى على أمير المؤمنين (عليه السلام)، و بين يديه كرسي، فأمره بالجلوس عليه، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه، و سال الدم، فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بماء، فغسل عنه ذلك الدم. ثم قال: ادن مني، [فدنا منه‏] فوضع يده على موضحته، و قد كان يجد من ألمها ما لا صبر له معه، و مسح يده عليها و تفل فيها، حتى اندمل و صار كأنه لم يصبه شي‏ء قط.
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عبدالله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم، لتسلم لهم طاعاتهم، و يستحقوا عليها ثوابها.
فقال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين، و إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا؟
قال: نعم، أما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه و آله):
"الدنيا سجن المؤمن، و جنة الكافر" . إن الله تعالى طهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم به من المحن، و بما يغفره لهم، فإن الله تعالى يقول: { { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30] حتى إذا وردوا يوم القيامة، توفرت عليهم طاعاتهم و عباداتهم.
و إن أعداءنا يجازيهم عن طاعة تكون في الدنيا منهم- و إن كان لا وزن لها، لأنه لا إخلاص معها- حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم، و بغضهم لمحمد و آله (صلوات الله عليهم أجمعين) و خيار أصحابه، فقذفوا في النار.
فقال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين، قد أفدتني و علمتني، فإن رأيت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس، حتى لا أعود إلى مثله؟
فقال: تركك حين جلست أن تقول: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } فجعل الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) حدثني، عن الله عز و جل أنه قال:
"كل أمر ذي بال لم يذكر فيه اسم الله، فهو أبتر؟"
فقلت: بلى- بأبي أنت و أمي- لا أتركها بعدها. قال: إذن تحظى و تسعد.
قال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين، ما تفسير { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ }؟
قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ، أو يعمل عملا، فيقول: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } أي بهذا الاسم أعمل هذا العمل، فكل عمل يعمله، يبدأ فيه ب { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ } فإنه مبارك له فيه".
267/ [12]- (ربيع الأبرار) للزمخشري: قال: قال رجل لجعفر بن محمد (عليهما السلام): ما الدليل على الله، و لا تذكر لي العالم و العرض و الجواهر؟ فقال له: "هل ركبت البحر؟" قال: نعم. قال: "فهل عصفت بكم الريح، حتى خفتم الغرق؟" قال: نعم. قال: [قال: "فهل انقطع رجاؤك من المركب و الملاحين؟" قال: نعم.] قال: "فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟" قال: نعم.
قال: "فإن ذاك هو الله سبحانه و تعالى، قال الله: عز و جل:
{ { ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسرا: 67] { { إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل: 53]