التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً
١
-الإنسان

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } اخبر الله سبحانه عن سر فطرة أدم عليه السلام التى قداتى عليها احيان لم يكن شيئا يطلع عليها المقربون والكروبين من علمهم ومعرفتهم وكيف ذكروه وهو على علمهم فى غيب الغيب مستورا فى حجاب الانس ورياض القدس بنوره عن اعين اهل الملكوت فهناك ليس بمكان ولا زمان بتجلى له من جميع الذات والصفات وبقى بين انوار الصفات وانوار الذات حتى صار فطرته الروحية القدسية الملكوتية كاملة بكمال الله عالمة قادرة سمعية بصيرة متصفة بجميع صفاته ولم يكن هناك صباح ولا مساء ولا زمان ولا مكان عرفها الله نعوته القديمة اسماء الحسنى وصفاته العلى وساقها من بحر الذات شربات المحبة والشوق والمعرفة ففى كل صفة لها طور فى كل مشاهدة لها حال ووجد وكشف لا يطلع عليها اهل البرية فكيف ذكروه وهو مذكور الله ازلا وابدا لم يكشف ذكره لاحد غيره على ذكره فاذا قالت الملائكة نحن نسبح بحمدك ونقدس لك اظهره الله لهم بصورة ترابية وفطرة جسمانية ولولا انه سرته بالماء والطين لماتوا جميعا فى النظر الهي لانه كان خارجا من الحضرة منعوتا بنعت الله موصوفا بصفة على لباس انوار الربوبية فقبل دخوله فى صورته لم يكن الصورة شيئا مذكورة حين لم ينعكس عليها انوار روحه فاذا اراد ان ينفخ فيها روحه خلقها بيده وخمر طينه لطفه وصور لها بصورة علمه وجعل فيها اطوار من معجونات قدرته وعلمه ثم تركها فى فضاء عيبه حتى مضى عليها دهرها ودار عليها فلك وارففى كل لحظة وساعة ابدع فيها بدايع فطرته ولم يكشف تلك الحقائق للملائكة ولم يروها الا صورة صلصالية طورا من حمأ مسنون وطورا من تراب وغبار وطورا من صلصال كالفجار حتى تنقشت بنقوش القدرة ودخل فيها روح الاولية فلما قام أدم فى الحضرة سجد له كل شئ لما عليه من أثار جلال الحق وكيف تذكره احد وذكره غايب فى ذاكره ومذكوره تعالى الله عن كل نقص وعلة فكما خلق أدم بهذه المثابة خلق ذريته فى معادن غيبه اطوارا وطورا روحانيا وطورا عليا وطور عقليا وطور نفسانيا وطورا حيانا وطور شهوانيا وطورا شيطانيا وطورا سريا وطورا ملكوتيا وطورا ربانيا فهذه الاطوار يغلبها الله فى زمان علمه وقدرته ويجعلها فى كل اوان عجبته من علمه غريبا من قدرته مصبوغة بصبغ افانين تجليه وذلك قوله { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } لان كل انسان عنده أدم فان قال جعفر هل اتى عليك يا انسان وقت لم يكن الله ذكرا لك فيه وقال ابو عثمان المغربى ابتلى الله الحق بتسعة امشاج ثلث مفتنان وثلاث كافرات وثلث مومنات فاما الثلث المفتنات سمعه وبصره ولسانه واما الثلث الكفارات فنفسه وهواه وعدوه واما الثلث المؤمنات فعقله وروحه وقلبه فاذا ايد الله العبد بالمعونة قهر العقل على القلب فملكه واستاسرت النفس والهوى فلم تجد الى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هى العليا قال الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة.