التفاسير

< >
عرض

قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
١
-المجادلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَدْ سَمِعَ اللهُ } علم وقيل: قد للتحقيق أو التوقع فهي مشعرة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ان المجادلة أو كليهما يتوقعان أن الله يسمع مجادلتهما وشكواهما أي يقبلها ويفرج عنها قال ابن هشام: وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي وقال: التوقع انتظار الوقوع والماضي قد وقع.
وقد تبين بما ذكرنا ان مراد المثبتين لذلك انها تدل على ان الماضي كان قبل الاخبار متوقعا لا انه الآن متوقع والذي يظهر لي انها لا تفيد التوقع إلا من المضارع لان الظاهر من حال المخبر عن مستقبل انه متوقع له بلا قد ولا مع الماضي والاصح أن يقال لا حرف استفهام في قولك لا رجل لانه جواب لقول القائل هل من رجل وعبارة ابن مالك انها تدخل ماضي متوقع ولم يقل انها تفيد التوقع.
وما أجاب به الدماميني غير نافع وابدل حمزة والكسائي وابو عمرو وهشام دالها سينا وادغمها في السين.
{ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ } تخاصمك وتراجعك وفي مصحف ابن مسعود تحاورك أي تسائلك { فِى زَوْجِهَا } أي في أمر زوجها قالت عائشة رضي الله عنها الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات لقد كلمت المجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وانا عنده لا أسمع وقد سمع لها وعن عمر أنه أي عمر كان اذا دخلت عليه اكرمها وقال: قد سمع الله لها وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت اخي عبادة بن الصامت الانصاري هذا اسمها عن ابن العربي والفخر وقال ابن عباس وغيره اسمها خولة بن خويلد وقيل اسمها جميلة وزوجها هو أوس المذكور رآها تصلي وكانت حسنة الجسم فلما سلمت روادها فأبت فغضب وكان له خفة ولمم أي شدة حرص على النكاح وقيل حنون ولكنه لو ظاهر حال الجنون لم يلزمه.
فقال لها أنت علي كظهر أمي ثم ندم وكان الظهار وطلاق الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤبدة فقال: ما اظنك إلا حرمت علي فقالت: والله ما ذاك طلاق فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شرق رأسه فقالت:
"يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وانا شابة مرغوب في فلما خلا سني ونثرث بطني ـ أي اكثرت الولادة ـ واكل مالي وكنت ذات مال وأهل وافنى شبابي وتفرق أهلي جعلني عليه كأمه، وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه" .
وروي أنها قالت: "ان لي صبية صغاراً ان ضممتهم إليه ضاعوا وان ضممتهم إلي جاعوا فقال صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه" وروي انه قال: "ما عندي في امرك شيء" وروي انه لما قال لها حرمت عليه قالت: لا تعجل فإني وحيدة ليس لي أهل سواه وروي انها قالت لما قال حرمت عليه: "يا رسول الله والذي انزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنما هو ابو ولدي واعز الناس علي واحبهم فقال: حرمت عليه" وكانت تراجعه كلما قال حرمت عليه هتفت بربها وشكت اليه فتارة قالت: اللهم اليك اشكوا حالي وانفرادي وفقري اليه وتارة قالت: اللهم إن لي صبية صغارا الخ.. مامر، وتارة قالت: أشكو إلى الله وحدتي وفاقتي قد طالت له صحبتي وحفظت له بطني وتارة قالت اللهم أشكو إليك اللهم انزل على لسان نبيك فرجي.
فمراجعتها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي جدالها وهذا أول ظهار في الاسلام وقالت انظر في أمري يا نبي الله جعلني الله فداك فقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: اقصري حديثك اما ترين وجهه وكان إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل النعاس فلما قضى الوحي قال: ادعي لي زوجك فتلا عليه: { قَدْ سَمِعَ اللهُ.. } الخ.. القصة.
وعن يوسف بن عبدالله بن سلام انه قال:
"حدثتني خولة بنت ثعلبة وكانت عن أوس بن الصامت أنه دخل عليها فكلمها فروادته فغضب فظاهر منها فخرج الى نادي قومه ثم رجع فروادها فامتنعت كل الامتناع فشادها فشاددته فغلبته فقالت له كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل الي حتى يحكم الله بيني وبينك بحكمه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكية قالت: يا رسول الله هذا أوس بن الصامت أبلى شبابي حتى اذا انقطع ولدي وكبر سني ظاهر مني اللهم إني أشكوا اليك فقال لها: زوجك وابن عمك اتقي الله واحسني صحبته وكانت ترفع رأسها في الدعاء الى السماء لأن الوحي من السماء فأجاب دعاءها" .
قال الفخر: هذه الواقعة تدل على ان من انقطع رجاؤه من الخلق ولم يبق له في مهمة إلا الخالق كفاه الله مهمة ولما جاء اخبره بالآية ولم يقدر إلا على الاطعام فاطعم وامسكها وروي "انه لما نزلت الآية بمحضرها قرأها وقال: مريه أن يعتق رقبة، فقالت: ماعنده شيء يا رسول الله، فقال: مرية أن يصوم شهرين، فقالت شيخ كبير لا يستطيع فقال: فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده ما يطعم يا رسول الله قال: سنعينه بقرق من تمر قالت: وانا يا رسول الله اعينه بآخر، قال: قد احسنت اذهبي فاطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي الى ابن عمك وقالت والذي بعثك بالحق ما جئت إلا رحمة له من منافع" والفرق يسع ثلاثين صاعاً وقيل خمسة عشرة وعن الكلبي انها لما شكت الى النبي صلى الله عليه وسلم قال ما عندي في امرك شيء ارجعي إلى بيتك فإن امرني بشيء اعلمتك ولما خرجت رفعت يديها تدعو فنزلت اربع الآيات.
{ وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ } الوحدة والفاقة والصبية { واللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } أي مارجعتكما الكلام وغلب الخطاب على الغيبة والمضارعة لحكاية الحال الماضية.{ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ } للاقوال { بَصِيرٌ } بالاحوال فهو سميع من ناجيه بصير بمن يشكو.