التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
-النصر

تيسير التفسير

{ إذَأ جَاءَ نَصْرُ اللهِ } إذا جاءَك نصر الله أى إعانته إياك وإظهارك على عدوك وحفظك مما تكره من الملمات وذل أهل الدين ولا حاجة إلى تخصيصه بالإعانة والإظهار ولو كان أنسب بقوله:
{ وَالْفَتْحُ } وإذا متعلق بجوابها وهو سبح على المشهور الصحيح وهكذا تقول أبداً وإذا منع مانع فتأَوله والمراد بالنصر تغليبه - صلى الله عليه وسلم - على قريش وسائر العرب أو المراد نصره ونصر أُمته بعده وهذا أوله وكأَنه موجود كله فى الحين، وعن ابن عباس النصر صلح الحديبية والفتح فتح مكة وهذا هو الصحيح وقيل الفتح فتح بلاد الشرك ولأُمته بعده لأَن فتح مكة أوله وبابه فهو متتابع كأَنه حضر كله والنصر الإظهار على العدو وهو متقدم على الفتح ولذلك قدمه على الفتح والسورة نعى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن عباس، وجاءَ به الحديث وما بقى بعدها إلاَّ عامين ولما نزلت بكى عمر وقال قد قرب موته - صلى الله عليه وسلم - وكان الفتح فى السنة الثامنة لثلاث عشرة بقيت من رمضان على رأس ثمانى سنين ونصف من الهجرة وخرج إليها لليلتين مضتا من رمضان أو لثمانى عشرة أو لاثنتى عشرة أو لست عشرة أو يوم الأَربعاءِ لعشر مضين بعد العصر وضعف أو لعشر بقين بعشرة آلاف من المهاجرين والأنصار كلهم وغيرهم من العرب أو بإِثنى عشر ألفاً ويجمع بأَنه خرج بعشرة آلاف وتلاحق ألفان بعد ولما بلغ الكديد أفطر بين عسفان وأمج وأفطروا ولم يعلم بهم أحد حتى نزل بمر الظهران وذلك من المعجزات لكثرة الناس وكون البر للعرب والأَعراب والسفر وقد دعا - صلى الله عليه وسلم - أن يعمى عنهم الأَخبار إلاَّ أن حاطبا أخبر أهل مكة فى كتاب كما مر فى الممتحنة واستخلف على المدينة أبا رَهْم كلثوم بن حصين الغفارى ولا يخفى أن السورة نزلت قبل الفتح ويحمل النصر على ما كان مع الفتح المذكور وذلك إخبار بالغيب وهو معجزة، وإن نزلت السورة بعد الفتح كما زعم بعض فإذا بمعنى إذ متعلق بمحذوف أى كمل الأَمر أو تم أو تبقى للاستقبال فيتوجه الاستقبال إلى شىء مستقبل مترقب باعتبار ما يدل عليه ولو تحقق باعتباره فى نفسه وفتح مكة أم الفتوح جالب لما بعد منها أو الاستقبال باعتبار المجموع الذى بعد إذا فإن منه ما هو مستقبل فإن رؤيته الناس يدخلون فى دين الله أفواجاً معتبرة ولو بآخر من يدخل فى دين الله عز وجل إن لم يكن النزول بعد تمام الدخول أو يراد بالنصر نصر الله الرحمن الرحيم لرسوله والمؤمنين فى أمر مكة زادها الله شرفاً وحفظها وبالفتح ما كان فيها وفى غيرها ولا إشكال فى الاستقبال والمجىء حقيقة فى الحصول وقيل فى الشروع فيما به الحصول كالتنقل ولعله مشترك وضعا وسبب الفتح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح قريشا فى الحديبية على وضع الحرب عشر سنين وقيل عشرين ومن شاءَ كان على عهده - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء كان معهم فكان معه - صلى الله عليه وسلم - خزاعة ومعهم بنو بكرثم قتل بنو بكر رجلاً من خزاعة على ماء لخزاعة يسمى الوتير أسفل مكة وأعانهم قريش ببعض الرجال وبسلاح خفية ليلاً حتى أدخلوهم الحرم وقاتلوا فيه وأرسلوا بديل بن ورقاء بذلك وجاءَته جماعة أيضاً فقال
"لا نصرت إنْ لم أنصركم وأن هذه السحابة تشهد بنصركم" وقال - صلى الله عليه وسلم - "كأني بأَبي سفيان جاءَكم يشد العقد" فجاءَ فاستشفع بأَبى بكر بعده - صلى الله عليه وسلم - ثم بعمر ثم بعلي أن يكلموه - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه أحد ثم بفاطمة ثم بابنها الحسن غلاماً يدب وقال له علي لا أجد لك إلاَّ أن ترجع إلى مكة، وتقول أجرت بين الناس ولما نزلوا بمر الظهران رق العباس على أهل مكة فخرج ولقى أبا سفيان فجاءَ به إليه - صلى الله عليه وسلم - فأَركبه معه على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال عمر دعنى يا رسول الله أقتله لم يجبه وقد سبقه العباس بالأَمن وما أمن إلاَّ بعد شدة وكان يحب الفخر فقال - صلى الله عليه وسلم - "ناد فى مكة من أغلق على نفسه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" ، وقد قال قبل إسلامه له - صلى الله عليه وسلم - ما أفعل باللات والعزى فقال عمر اخرأ عليها فقال - صلى الله عليه وسلم - دعنى وابن عمى يا عمر ولما ارتحل لدخول مكة قال يا عباس بمضيق الوادى فكلما مرت قبيلة بلوائها مثل سليم ومزينة قال مالى ولها حتى مرت الكتيبة الخضراء المهاجرون والأنصار سميت لكثرة سلاح الحديد فيهم حتى لا يظهر وإلاَّ عيونهم فقال لا طاقة على هؤلاء.