التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ
١
-القمر

تيسير التفسير

{ اقتَربتِ السَّاعَة } أى جدا كما يدل له صيغة افتعل إذ قال: "اقتربت" ولم يقل قربت، والباقى بالنسبة للماضى قليل، وقيل: المراد بقربها قبول الأذهان لها، وهى على الجزم كصيغة الترجى فى مقام الجزم { وانْشقَّ القَمَر } ليلة كَمالِهِ ليلة أربعة عشر نصفين، نصف على الجبل، ونصف دونه، ويروى نصف على جبل أبى قبيس، ونصف على قينقاع، وقال: اشهدوا اشهدوا، ويروى نصف على الصفا ونصف على المروة، ويروى أنه شق نصفين حتا رأوا حراء بينهما.
ويروى أنه سأله الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام والعاصى ابن وائل، والعاصى بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود ابن المطلب، وربيعة بن الأسود، والنضر بن الحارث: إن كنت صادقا فشق القمر نصفين، نصف على قينقاع، ونصف على أبى قبيس، ووعده الله تعالى أن يعطيه ما سألوا، فقال: "أتؤمنون ان فعلت؟" قالوا: نعم، فكان ما طلبوا كله، ورأوه، مسحوا أعينهم، وجددوا النظر فرأوه كذلك، ثم مسحوا وجددوا النظر فرأوه كذلك، وهذه آية عظيمة اقترحوها، فوقعت ولم يؤمنوا، ومع ذلك لم يعجل لهم العقاب، كما يعجل لمن قبلهم اذا وقع ما اقترحوا، فهذه خصوصية. أو يعجل لمن قبلهم اذا كان مقترحهم مما يسمونه كالمائدة، وناقة صالح، وهذا أنسب بقوله تعالى:
" { فَلَمَسُوهُ بأيديهم } " [الأنعام: 7].
وروى أنه لما انشق قال المشركون: هذا سحر ابن أبى كبشة، فقال رجل: انظروا السفار فلن يقدر أن يسحر أهل الدنيا كلهم، فجاء السفار فقالوا: رأيناه انشق.
وروى أنه لم انشق قال صلى الله عليه وسلم:
"اشهدوا اشهدوا" ويروى أنه قال: "يا أبا سلمة بن عبد الأسود، والأرقم بن الأرقم اشهدوا اشهدوا" وذلك قبل الهجرة بنحو خمس سنين.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه: كنا فى منى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانشق القمر، ومراد من قال انه انشق وهو فى مكة أن الانشقاق قبل الهجرة، والحديث متواتر فلا يقدح فى رواية ابن عباس له، وهو مولود قبل الانشقاق، ولا فى رواية أنس، وهو بالمدينة ليلة انشقاقه، ابن أربع سنين، وكان الانشقاق ليلا، والناس داخل بيوتهم، وفى غفلة، اليهود والنصارى من شأنهم انكار معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريفها، وأيضا قد لا يظهر الانشقاق لبعض أهل البلاد، كما لا يظهر الخسوف أو الكسوف فى بعض البلاد، ويظهر فى بعض، وأيضا لم تطل مدة بقائه منشقا.
ويروى أنه شق مرتين: مرة بمكة، ومرة بمنى، ويروى مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، وليس بشىء، ويروى عن ابن مسعود: أنه رأى القمر شق شقتين مرتين، وأجيب بأن مرتين تأكيدا لشقتين أو مرتين متعلق برأى، أى نظر اليه منشقا، ثم أعاد النظر فى حينه أو بعد حينه، لكن فى انشقاق واحد، كما مر أن المشركين رأوه منشقا وكرروا النظر مع مسح العيون، وهل بقى منشقا حتى غاب؟ قيل كذلك، وقيل: انشق وبقى قدر ما يحققونه، ثم اجتمع.
وزعم بعض أنه بقى قدر لحظة، ولحظوه وهو مخالف لما مر أنهم جددوا النظر، وعن ابن عباس بقى نصف على الصفا، ونصف على المروة، قدر ما بين الظهر والعصر، ولا تصح هذه الرواية، واليهود والنصارى وسائر المشركين لما سمعو ورأوا أنكروا، لأنه معجزة له صلى الله عليه سولم على عادتهم، ولم يذكروه فى التواريخ، كأنه لم يكن.