التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٠
-الحديد

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومالكم الا تنفقوا فى سبيل } اى واى شىء لكم من أن تنفقوا فيما هو قربة الى الله ماهو له فى الحقيقة وانما أنتم خلفاؤه فى صرفه الى ماعينه من المصارف فقوله { فى سبيل الله } مستعار لما يكون قربة اليه وقال بعضهم معناه لاجل الله { ولله ميراث السموات والارض } حال من فاعل لاتنفقوا او مفعوله المحذوف اى ومالكم فى ترك انفاقها فى سبيل الله والحال انه لايبقى لكم منها شىء بل تبقى كلها لله بعد فناء الخلق واذا كان كذلك فانفاقها بحيث تستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان اولى من الامساك لانها اذا تخرج من أيديكم مجانا بلا عوض وفائدة قال الراغب وصف الله نفسه بانه الوارث من حيث ان الاشياء كلها صائرة اليه وقال ابو الليث انما ذكر لفظ الميراث لان العرب تعرف ان ماترك الانسان يكون ميراثا فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم قال بعض الكبار اولا ان القلوب مجبولة على حب المال مافرضت الزكاة ومن هنا قال بعضهم ان العارف لا زكاة عليه والحق ان عليه الزكاة كما ان عليه الصلاة والطهارة من الجنابة ونحوهما لانه يعلم ان نفسه مجموع العالم ففيها من يحب المال فيوفيه حقه من ذلك الوجه باخراجها فهو زاهد من وجه وراغب من وجه آخر وقد اخرج رسول الله عليه السلام صدقة ماله فالكامل من جمع بين الوجهين اذا الوجوب حقيقة فى المال لا على المكلف لانه انما كلف باخراج الزكاة من المال لكون المال لايخرج بنفسه فللعارفين المحبة فى جميع العالم كله وان تفاضلت وجوهها فيحبون جميع مافى العالم بحب الله تعالى فى ايجاد ذلك لامن جهة عين ذلك الموجود فلابد للعارف أن يكون فيه جزء يطلب مناسبة العالم ولولا ذلك الجزء ما كانت محبة ولا محبوب ولا تصور وجودها وفى كلام عيسى عليه السلام قلب كل انسان حيث ماله فاجعلوا اموالكم فى السماء تكن قلوبكم فى السماء فحث اصحابه على الصدقة لما علم ان الصدقة تقع بيد الرحمن وهو يقول ءأمنتم من فى السماء فانظر ما أعجب كلام النبوة وما أدقه وأحلاه وكذلك لما علم السامرى ان حب المال ملصق بالقلوب صاغ لهم العجل من حليهم بمرأى منهم لعلمه ان قلوبهم تابعة لاموالهم ولذلك لما سارعوا الى عبادة العجل دعاهم اليها فعلم ان العارف من حيث سره الربانى مستخلف فيما بيده من المال كالوصى على مال المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شىء ولكن لما كان المؤمن لحجابه يخرجها بحكم الملك فرضت عليه الزكاة لنال بركات ثواب من رزىء فى محبوبه والعارف لايخرج شيأ بحكم الملك والمحبة كالمؤمن انما يخرج امتثالا للامر ولا تؤثر محبت فلمال فى محبته الله تعالى لانه ما أحب المال الا بتحبيب الله ومن هنا قال سليمان عليه السلام هب لى ملكا لاينبغى لاحد من بعدى انك أنت الوهاب فما طلب الا من نسبة فاقة فقير الى غنى، ثم اعلم ان المال انما سمى مالا لميل النفوس اليه فان الله تعالى قد أشهد النفوس مافى المال من قضاء الحاجات المجبول عليها الانسان اذ هو فقير بالذات ولذلك مال الى المال بالطبع الذى لاينفك عنه ولو كان الزهد فى المال حقيقة لم يكن مالا ولكان الزهد فى الآخرة اتم مقاما من الزهد فى الدنيا وليس الامر كذلك فان الله تعالى قد وعد بتضعيف الجزآء الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف فلو كان القليل منه حجاب لكان الكثير منه اعظم حجابا فالدنيا للعارف صفة سليمانية كمالية وما اليق قوله { انك أنت الوهاب } أتراه عليه السلام سأل مايحجبه عن الله تعالى او سأل مايبعده من الله تعالى كلا ثم انظر الى تتميم النعمة عليه بدار التكليف بقوله تعالى له { هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب } فرفع عنه الحرج فى التصرف بالاسم المانع والمعطى واختصه بجنة معجلة فى الدنيا ما حجبه ذلك المال عن ربه فانظر الى درجة العارف كيف جمع بين الجنتين وتحقق بالحقيقتين وأخرج زكاة المال الذى بيده عملا بقوله تعالى { وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } فجعله مالكا للأنفاق من حقيقة الهية فيه فى مال هو ملك الحقيقة أخرى فيه هو وليها من حيث الحقيقة الالهية { لايستوى منكم } يامعشر المؤمنين (روى) ان جماعة من الصحابة رضى الله عنهم انفقوا انفقات كثيرة حتى قال ناس هؤلاء اعظم اجرا من كل من انفق قديما فنزلت الآية مبينة ان النفقة قبل فتح مكة أعظم أجرا { من انفق من قبل الفتح } اى فتح مكة الذى ازال الهجرة وقال عليه السلام فيه "لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" وهذا قول الجمهور وقال الشعبى هو صلح الحديبية فانه فتح كما سبق فى سورة الفتح { وقاتل } العدو تحت لوآء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستوآء يقتضى شيئين فقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة مابعده عليه اى لايستوى فى الفضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن انفق من بعده وقاتل والظاهر أن من أنفق فاعل لايستوى وقيل من مبتدأ ولايستوى خبره ومنكم حال من ضمير لايستوى لا من ضمير انفق لضعف تقديم مافى الصلة على الموصول او الصفة على الموصوف و لضعف تقديم الخبر على منكم لان حقه أن يقع بعده ثم فى انفق اشارة الى انفاق المال ومايقدر عليه من القوى وفى قاتل اشارة الى انفاق النفس فان الجهاد سعى فى بذل الوجود ليحصل بالفناء كمال الشهود ولذا قال تعالى { ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون } فهذه الحياة حياة أخروية باقية عندية فكيف تساويها الحياة الدنيوة الفانية الخلقية مع ان رزق الحياة الفانية ينفد وما عند الله باق ولذا قال { اكلها دائم وظلها } اى راحتها فالانسان العاقل بترك الراحة الدنيوية اليسيرة لله تعالى يصل الى الراحة الكثيرة الأخروية فشأنه يقتضى الجهاد والقتال { اولئك } المنفقون المقاتلون قبل الفتح وهم السابقون الاولون من المهاجرين والانصار { اعظم درجة } وأرفع منزلة عند الله وبعظم الدرجة يكون عظم صاحبها فالدرجة بمعنى المرتبة والطبقة وجمعها درجات واذا كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج { من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا } لانهم انما فعلوا من الانفاق والقتال قبل عزة الاسلام وقوة أهله كمال الحاجة الى النصرة بالنفس والمال وهؤلاء فعلوا مافعلوا بعد ظهور الدين ودخول الناس فيه أفواجا وقلة الحاجة الى الانفاق والقتال وقد صرح عليه السلام ايضا بفضل الاولين بقوله "لو أنفق احدكم مثل أحد ذهبا مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه" قال فى القاموس المد بالضم مكيال وهو رطلان او رطل وثلث او ملىء كفى الانسان المعتدل اذا ملأها ومديده بهما وبه سمى مدا وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا والنصيف والنصف واحد وهو أحد شقى الشىء والضمير فى نصيفه راجع الى احدهم لا الى المد والمعنى ان احدكم أيها الصحابة الحاضرون لايدرك بانفاق مثل جبل أحد ذهبا من الفضيلة ماأدرك أحدهم بانفاق مد من الطعام او نصيف له وفيه اشارة الى ان صحبة السابقين الاولين كاملة بالنسبة الى صحبة اللاحقين الآخرين لسبقهم وتقدمهم وفى الحديث "سيأتى قوم بعدكم تحقرون اعمالكم مع أعمالهم" قالوا يارسول الله نحن أفضل ام هم قال "لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهبا ماادرك فضل أحدكم ولا نصفه" فرقت هذه الآية بينكم وبين الناس لايستوى منكم الآية ذكره ابو الليث فى تفسيره وفيه اشارة الى ان الصحابة متفاتون فى الدرجة بالنسبة الى التقدم والتأخر واحراز الفضائل فكذا الصحابة ومن بعدهم فالصحابة مطلقا أفضل ممن جاء بعدهم مطلقا فانهم السابقون من كل وجه { وكلا } اى كل واحد من الفريقين وهو مفعول اول لقوله { وعد الله الحسنى } اى المثوبة الحسنى وهى الجنة لا الاولين فقط ولكن الدرجات متفاوتة { والله بما تعملون خبير } بظواهره وبواطنه فيجازيكم بحسبه قال فى المناسبات لما كان زكاء الاعمال انما هو بالنبات وكان التفضيل مناط العلم قال مرغبا فى حسن النيات مرهبا من التقصير فيها والله بما تعملون اى تجددون عمله على ممر الاوقات خبير اى عالم بباطنه وظاهره علما لامزيد عليه بوجه فهو يجعل جزآء الاعمال على قدر النيات التى هى ارواح صورها

عبادت باخلاص نيت نكوست وكرنه جه آيد زبى مغز بوست

وقال الكلبى نزلت هذه الآية فى أبى بكر الصديق رضى الله عنه وفيها دلالة ظاهرة وحجة باهرة على تفضيل أبى بكر وتقديمه فانه اول من أسلم وذلك فيما روى ان أبا امامة قال لعمر بن عبينة باى شىء تدعى انك ربع الاسلام قال انى كنت أرى الناس على الضلالة ولا ارى للاوثان شيأ ثم سمعت عن رجل يخبر عن أخبار مكة فركبت راحلتى حتى قدمت عليه فقلت من أنت قال انا نبى قلت وما نبى قال رسول الله قلت بأى شىء أرسلك قال اوحد الله لا أشرك به شيأ واكسر الاوثان واصل الارحام قلت من معك على هذا قال حر وعبد واذا معه ابو بكر وبلال فاسلمت عند ذلك فرأيتنى ربع الاسلام يعنى بس دانستم خودرا ربع اسلام، وانه اى أبا بكر اول من اظهر الاسلام على ماروى عن عبدالله ابن مسعود رضى الله عنه قال كان او من اظهر الاسلام رسول الله عليه السلام وابو بكر وعمار وامه سمية وصهيب وبلال والمقداد وانه اول من قاتل على الاسلام وخاصم الكفار حتى ضرب ضربا اشرف به على الهلاك على ماقاله ابن مسعود رضى الله عنه أول من اظهر الاسلام بسيفه النبى عليه السلام وأبو بكر رضى الله عنه وانه اول من أنفق على رسول الله وفى سبيل الله قال ابن عمر رضى الله عنهما كنت عند النبى عليه السلام وعنده أبو بكر وعليه عباءة فدكية قد خللها فى صدره بخلال يعنى بروى كليمى بودكه استوار كرده ويرا درسينه خود بخلال، قال فى القاموس خل الكساء شده بخلال وذو الخلال ابو بكر الصديق رضى الله عنه لانه تصدق بجمع ماله وخل كساءه بخلال انتهى فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال مالى أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها فى صدره بخلال فقال أنفق ماله على قبل الفتح قال فان الله تعالى يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عنى فى فقرك هذا ام ساخط فقال ابو بكر ءأسخط على ربى انى عن ربى راض انى عن ربى راض ولهذا قدمه الصحابة رضى الله عنهم على أنفسهم واقروا له بالتقدم والسبق وذلك فيما روى عبد الله بن سلمة عن على رضى الله عنه قال سبق رسول الله عليه السلام وثنى ابو بكر وثلث عمر يعنى سابقست رسول الله ودر بى وى ابو بكر است وسوم عمر است، فلا اؤتى برجل فضلنى على أبى بكر وعمر الا جلدته جلد المفترى واطرح شهادته يعنى طرح شهادت وى كنم ودر صفت وى كفته اند

صاحب قدم مقام تجريد سر دفتر جمله اهل توحيد
در جمع مقربان سابق حقا كه جواو نبود صادق

وفى الآية اشارة الى أن من تقدمت مجاهدته على مشاهدته وهو المريد المراد والسالك المجذب والمحب المحبوب اعلى واجل وأسبق درجة ومرتبة من درجات المشاهدة ومراتبها ممن تقدمت مشاهدته على مجاهدته حين يقعد ارباب المشاهدة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر لمشاهدة وجهه ورؤية جماله فى جنة وصاله يفوقه ويسبقه ويتقدمه وهو المراد المريد والمجذوب السالك والمحبوب المحب فان المجاهدة قدمت على المشاهدة فى قوله تعالى { والذين جاهوا فينا لنهدينهم سبلنا } فيصير سلوك الاول واقعا على وفق العادة الآلهية والسنة الربانية وسلوك الثانى على خارقها والمعتبر فى الترتيب الالهى تقدما وتأخرا باعتبار الاكمل انما هو وفق العادة والسنة الالهية وهما وان كانا متحدين باعتبار اصل حسن المشاهدة لكنهما متفاوتان باعتبار قدرها ودرجتها فانهم الصافون وما منا الا له مقام معلوم كذا فى كتاب اللائحات البرقيات لحضرة شيخى وسندى روح الله روحه