مكتبة التفاسير
فهرس القرآن
التفاسير الأكثر قراءة
كتب أخرىٰ
التفاسير العظيمة
التفاسير العظيمة
يحتوي الموقع على 91 تفسير للقرآن الكريم و 25 كتاب في علوم القرآن
English
القائمة
الرئيسية
القرآن والتجويد
التفاسير
علم القراءات
علوم القرآن
بحث وفهارس
كتب متفرقة
تراجم
دراسات قرانية
الإعجاز العلمي
خريطة الموقع
نبذة عنا
خريطة الموقع
>
قائمة التفاسير
>
التفسير
التفاسير
١ الفاتحة
٢ البقرة
٣ آل عمران
٤ النساء
٥ المائدة
٦ الأنعام
٧ الأعراف
٨ الأنفال
٩ التوبة
١٠ يونس
١١ هود
١٢ يوسف
١٣ الرعد
١٤ إبراهيم
١٥ الحجر
١٦ النحل
١٧ الإسراء
١٨ الكهف
١٩ مريم
٢٠ طه
٢١ الأنبياء
٢٢ الحج
٢٣ المؤمنون
٢٤ النور
٢٥ الفرقان
٢٦ الشعراء
٢٧ النمل
٢٨ القصص
٢٩ العنكبوت
٣٠ الروم
٣١ لقمان
٣٢ السجدة
٣٣ الأحزاب
٣٤ سبأ
٣٥ فاطر
٣٦ يس
٣٧ الصافات
٣٨ ص
٣٩ الزمر
٤٠ غافر
٤١ فصلت
٤٢ الشورى
٤٣ الزخرف
٤٤ الدخان
٤٥ الجاثية
٤٦ الأحقاف
٤٧ محمد
٤٨ الفتح
٤٩ الحجرات
٥٠ ق
٥١ الذاريات
٥٢ الطور
٥٣ النجم
٥٤ القمر
٥٥ الرحمن
٥٦ الواقعة
٥٧ الحديد
٥٨ المجادلة
٥٩ الحشر
٦٠ الممتحنة
٦١ الصف
٦٢ الجمعة
٦٣ المنافقون
٦٤ التغابن
٦٥ الطلاق
٦٦ التحريم
٦٧ الملك
٦٨ القلم
٦٩ الحاقة
٧٠ المعارج
٧١ نوح
٧٢ الجن
٧٣ المزمل
٧٤ المدثر
٧٥ القيامة
٧٦ الإنسان
٧٧ المرسلات
٧٨ النبأ
٧٩ النازعات
٨٠ عبس
٨١ التكوير
٨٢ الانفطار
٨٣ المطففين
٨٤ الانشقاق
٨٥ البروج
٨٦ الطارق
٨٧ الأعلى
٨٨ الغاشية
٨٩ الفجر
٩٠ البلد
٩١ الشمس
٩٢ الليل
٩٣ الضحى
٩٤ الشرح
٩٥ التين
٩٦ العلق
٩٧ القدر
٩٨ البينة
٩٩ الزلزلة
١٠٠ العاديات
١٠١ القارعة
١٠٢ التكاثر
١٠٣ العصر
١٠٤ الهمزة
١٠٥ الفيل
١٠٦ قريش
١٠٧ الماعون
١٠٨ الكوثر
١٠٩ الكافرون
١١٠ النصر
١١١ المسد
١١٢ الاخلاص
١١٣ الفلق
١١٤ الناس
<
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
>
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
--- اختر التفسير---
تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ)
بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)
النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ)
زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ)
مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ)
لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ)
البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ)
التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ)
غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ)
الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ)
اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ)
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ)
مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)
الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)
تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ)
الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ)
التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ)
التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ)
تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ)
حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ)
تفسير سفيان الثوري/ عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (ت161هـ)
تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ)
تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ)
محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)
تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ)
تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ)
كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ)
عرض
وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٠٣
-آل عمران
أضف للمقارنة
التفسير الكبير
قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } الآية. قال مقاتلُ: (كَانَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقِتَالٌ؛ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِيْنَةِ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، فَافْتَخَرَ بَعْدَ ذلِكَ رَجُلاَنِ: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمٍ الأَوْسِيُّ؛ وَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ الْخَزْرَجِيُّ، فَقَالَ الأَوْسِيُّ: مِنَّا خُزَيْمَةُ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ؛ وَمِنَّا حَنْظَلَةُ غَسَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ؛ وَمِنَّا عَاصِمُ بْنُ ثَابتٍ حَمَى الدِّيْنَ؛ وَمِنَّا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِهِ وَرَضِيَ بحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ: مِنَّا أرْبَعَةٌ أحْكَمُواْ الْقُرْآنَ: أبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؛ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ؛ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ وَأَبُو زَيْدٍ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ خَطِيْبُ الأَنْصَارِ وَرَئِيْسُهُمْ. فَجَرَى الْحَدِيْثُ بَيْنَهُمْ؛ فَغَضِبُواْ، فَقَالَ الْخَزْرَجُ: أمَا وَاللهِ لَوْ تَأَخَّرَ الإسْلاَمُ قَلِيْلاً وَقُدُومُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَقَتَلْنَا سَادَتَكُمْ وَاسْتَعْبَدْنَا أبْنَاءَكُمْ وَنَكَحْنَا نِسَاءَكمْ بغَيْرِ مَهْرٍ، فَقَالَ الأَوْسُ: قَدْ كَانَ وَاللهِ الإسْلاَمُ مُتَأَخِّراً كَثِيْراً، فَهَلاَّ فَعَلْتُمْ ذلِكَ حِيْنَ ضَرَبْنَاكُمْ حَتَّى أدْخَلْنَاكُمُ الْبُيُوتَ، وَتَكَاثَرَا وَتَشَاتَمَا ثُمَّ تَبَادَءا وَاقْتَتَلاَ حَتَّى اجْتَمَعَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَمَعَهُمُ السِّلاَحُ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِي أُناسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَقَدْ نَهَضَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. قَالَ جَابرُ: فَمَا كَانَ طَالِعٌ يَوْمَئِذٍ أكْرَمَ عَلَيْنَا مَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَوْمَأَ إلَيْنَا فَكَفَفْنَا فَوَقَفَ بَيْنَنَا، فَقَرأَ:
{
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ * وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ }
[آل عمران: 102-103] إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
{
{ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
[آل عمران: 105] فَأَلْقَى الْفَرِيْقَانِ السِّلاَحَ وَأَطْفَأُوا الْحَرْبَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ شَخْصٌ أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ، وَمَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ يَأَمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعضاً يَبْكُونَ، فَمَا رَأَيْتُ بَاكِياً أكْثَرَ مِنْ يَوْمَئِذٍ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } أي تَمسَّكوا بدينِ الله، وقيلَ: بالْجَمَاعَةِ. وقال مجاهدُ وعطاءُ: (بعَهْدِ اللهِ). وقال قتادةُ والسديُّ والضحَّاك: (مَعْنَاهُ: وَاعْتَصِمُواْ بالْقُرْآنِ). وقَالَ عليٌّ
رضي الله عنه
: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"كِتَابُ اللهِ هُوَ الْحَبْلُ الْمَتِيْنُ؛ وَالذِّكْرُ الْحَكِيْمُ؛ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ"
. وقال ابنُ مسعودٍ
رضي الله عنه
: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ هَذا الْقُرْآنَ هُوَ حَبلُ اللهِ الْمَتِيْنُ؛ وَهُوَ النُّورُ الْمُبيْنُ؛ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ؛ وَعِصْمَةُ مَنْ تَمَسَّكَ بهِ؛ وَنَجَاةُ مَنْ تَبعَهُ"
. وقال مقاتلُ: (مَعْنَى الآيَةِ: وَاعْتَصِمُواْ بأمرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ). وقال أبو العاليَة: (بإخْلاَصِ التَّوْحِيْدِ للهِ). وقال ابنُ زيد: (بالإسْلاَمِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أي تَنَاصَرُوا في دينِ الله ولا تَتَفَرَّقُواْ فيه كما تَفَرَّقَتِ اليهودُ والنصارى. قالَ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ بَنِي إسْرَائِيْلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةً، فَإنَّ أُمَّتِي سَتَتَفَرَّقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّار إلاَّ فَرْقَةً وَاحِدَةً فَقِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا هَذِهِ الْفِرْقَةُ الْوَاحِدَةُ؟ فَقَبَضَ يَدَهُ وَقَالَ: الْجَمَاعَةُ ثُمَّ قَرَأ: وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ"
. وقال صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ اللهَ تَعَالَى رَضِيَ لَكُمْ ثَلاَثاً وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثاً: أنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُواْ بهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُواْ بحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ؛ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُوا لِمَنْ وَلاَّهُ اللهُ أمْرَكُمْ. وَكَرِهَ لَكُمْ قِيْلَ وَقَالَ؛ وإضَاعَةَ المَالِ؛ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي احفظُوا مِنَّةَ اللهِ عليكم إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً في الجاهليَّة، يَقْتُلُ بعضُكم بعضاً، فجمعَ اللهُ بين قلوبكم بالإسلام الْمُحَرِّمِ للأنفسِ والأموالِ إلاَّ بحَقِّهَا، فَصِرْتُمْ بنعمةِ اللهِ إخْوَاناً في الدِّينِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ اسْحَاقَ: (كَانَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أخَوَيْنِ لأَبٍ وَأمٍّ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ بسَبَب سَمِيْرٍ وَحَاطِبٍ، وَذَلِكَ أنَّ سَمِيْرَ بْنَ زَيْدٍ أحَدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَتَلَ خَلِيْطاً لِمَالِكِ بْنِ الْعَجْلاَنِ الْخَزْرَجِيِّ يُقَالُ لَهُ حَاطِبُ بْنُ الْحَرْثِ؛ فَوَقَعَ الْحَرْبُ بَيْنَ الْقَبيْلَتَيْنِ؛ فَتَطَاوَلَتْ بَيْنَهُمْ تِلْكَ الْعَدَاوَةُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَلَمْ يُسْمَعْ بقَوْمٍ كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَوَاةِ وَالْحَرْب مِثْلَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ. واتَّصَلَتْ تِلْكَ الْعَدَاوَةُ إلَى أنْ أطْفَأَ اللهُ ذلِكَ بالإسْلاَمِ، وَألَّفَ بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بُعِثَ وَظَهَرَ بمَكَّةَ آمَنَ بهِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَهُمْ بالْمَدِيْنَةِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَيْهِمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَعَتِ الأُلْفَةُ بَيْنَهُمْ وَزَالَتِ العَدَاوَةُ مِنْ قُلُوبهِمْ وَقَدْ كَادُوا يَتَفَانَوْنَ، وَقَدْ كَان سَبَبُ ألْفَتِهِمْ مَا رُويَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خََرَجَ بالْمَوْسِمِ وَهُوَ بمَكَّةَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَب، فَبَيْنَمَا هُوَ عَنْدَ الْعَقَبَةِ إذْ لَقِيَ رَهْطاً مِنَ الْخَزْرَجِ أرَادَ اللهُ بهِمْ خَيْراً؛ وَهُمْ سِتَّةُ نَفَرٍ: أسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ؛ وَعَوْفُ بْنُ عَفْرَاءَ؛ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ؛ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ؛ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ؛ وَجَابرُ بْنُ عَبْدِاللهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أنْتُمْ؟" فَقَالُواْ: نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ: "أفَلاَ تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمَكُمْ؟" قَالُواْ: بَلَى؛ فَجَلَسُواْ؛ فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإسْلاَمَ وَتَلاَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ. وَكَانَ مَعَهُمْ بالْمَدِيْنَةِ يَهُودٌ أهْلُ كِتَاب ذكَرُواْ لَهُمْ أنَّ نَبيّاً مَبْعُوثاً قَدْ دَنَا زَمَانُهُ، فَلَمَّا كَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذا وَاللهِ النَّبيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْيَهُودُ؛ فَلاَ يَسبقَنَّكُمْ إلَيْهِ أحَدٌ، فَأَجَابُوهُ وَصَدَّقُوهُ وأَسْلَمُواْ؛ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ مَعَنَا قَوْماً بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَوَاةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، وَعَسَى اللهُ أنْ يَجْمَعَ كَلِمَتَهُمْ بكَ؛ فَأَقْدِمْ إلَيْهِمْ وَادْعُوهُمْ إلَى أمْرِكَ، فَإنْ يَجْمَعُهُمُ اللهُ عَلَيْكَ فَلاَ رَجُلَ أعَزُّ مِنْكَ، ثُمَّ انْصَرَفُواْ رَاجِعِيْنَ إلَى بلاَدِهِمْ وَقَدْ أسْلَمُواْ، فَلَمَّا وَصَلُواْ الْمَدِيْنَةَ ذكَرُواْ لَهُمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَوْهُمْ إلَى الإسْلاَمِ حَتَّى فَشَا فِيْهِمْ؛ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُور الأَنْصَار إلاَّ فِيْهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
حَتَّى إذا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبلُ وَافَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَوْسِمِ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً: أسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ؛ وَعَوْفُ وَمُعَاذُ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ؛ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ؛ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ؛ وَذكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ؛ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ؛ وَيَزِيْدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ؛ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ، فَهَؤُلاَءِ الْخَزْرَجِيُّونَ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ، وَعُوَيْمُ اْبْنُ سَاعِدَةَ مِنَ الأَوْسِ. فَاجْتَمَعُواْ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْعَقَبَةِ الأُوْلَى؛ فَبَايَعُوهُ عَلَى أنْ لاَ يُشْرِكُواْ باللهِ شَيْئاً، "قال:" فَإنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمْ الْجَنَّةَ. وَكَانَ ذلِكَ قَبْلَ أنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ، فَلَمَّا رَجَعُواْ إلَى الْمَدِيْنَةِ بَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ ابْنِ هَاشِمٍ، وََأَمَرَهُ أنْ يُقْرِءَهُمُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمَهُمُ الإسْلاَمَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّيْنِ.
فَكَانَ مُصْعَبُ يُسَمَّى فِي الْمَدِيْنَةِ (الْمُقْرِئُ) وَكَانَ نُزُولُهُ فِي بَيْتِ أسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: انْطَلِقْ بنَا إلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذيْنِ قَدْ أتَيَا دَارَنَا فَسَفَّهَا ضُعَفَاءَنَا وَأَخْرِجُوهُمْ؛ فإنَّ أسْعَدَ ابْنَ خَالَتِي وَلَوْلاَ ذلِكَ لَكَفَيْتُكَ، وَكَانَ سَعْدُ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ سَيِّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بني عَبْدِ الأَشْهَلِ وَكِلاَهُمَا مُشْرِكَانِ.
فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ وَأَقْبَلَ إلَى أسْعَدَ وَمُصْعَبَ وَهُمَا جَالِسَانِ فِي حَائِطٍ، فَلَمَّا رَأَى أسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمُصْعَبٍ: هَذا سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ فَاصْدُقِ اللهَ فِيْهِ، قَالَ مُصْعَبُ: إنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ. فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمَا أُسَيْدُ شَتَمَهُمَا وَقَالَ: مَا جَاءَ بكُمَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلاَ إنْ كَانَ لَكُمَا فِي السَّلاَمَةِ حَاجَةٌ، قَالَ مُصْعَبُ: إجْلِسْ وَاسْمَعْ؛ فإنْ رَضِيْتَ أمْراً قَبلْتَهُ؛ وَإنْ كَرِهْتَهُ كَفَفْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُهُ، قَالَ: أنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ عِنْدَهُمَا فكَلَّمَهُ مُصْعَبُ بالإسْلاَمِ، وَقَرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالاَ: فَوَاللهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الإسْلاَمَ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا أحْسَنَ هَذا وَأجَلَّهُ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذا أرَدْتُمْ أنْ تَدْخُلُواْ فِي هَذا الدِّيْنِ؟ قَالاَ: اغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثَوْبَكَ ثُمَّ اشْهَدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ (لاَ إلََهَ إلاَّ اللهُ مُحَمَّدُ رَسُولُ اللهِ) ثُمَّ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثوْبَهُ وَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ قَال: إنَّ وَرَائِي رَجُلاً إنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفَ أحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ - وَسأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا، ثُمَّ أخَذ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيْهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ سَعْدٌ مُقْبلاً؛ قَالَ: أحْلِفُ باللهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدُ بغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذهَبَ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وصَلََ إلَى عِنْدِهِمْ، قَالَ لَهُ سَعْدُ: مَا فَعَلْتَ؟! قَالَ: كَلَّمْتُ الرَّجُلَيْنِ؛ فَوَاللهِ مَا رَأْيْتُ بهِمَا بَأْساً وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا فَقَالاَ: نَفْعَلُ، وَحُدِّثْتُ أنَّ بَنِي حَارثَةَ خَرَجُواْ إلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ لَمَّا عَرَفُواْ أنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ لِيُحَقِّرُوكَ. فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضِباً مُبَادِراً لِلَّذِي ذكَرَهُ فَأَخَذ الْحَرْبَةَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُكَ أغْنَيْتَ شَيْئاً؛ وَمَضَى إلَيْهِمَا؛ فَلَمَّا رَآهُمَا مُطْمَئِنَّيْنِ عَرَفَ أنَّ أُسَيْداً مَا فَعَلَ ذلِكَ إلاَّ لِيَسْتَمِعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَبَسِّماً، ثُمَّ قَالَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: يَا أبَا أمَامَةَ؛ لَوْلاَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذا مِنِّي تَغَشَّانَا فِي دِيَارنَا بمَا نَكْرَهُ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبُ: أقْعُدْ وَاسْمَعْ؛ فَإنْ رَضِيْتَ أمْراً وَرَغِبْتَ فِيْهِ قَبلْتَهُ، وَإنْ كَرِهْتَهُ عَدَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُهُ، فَرَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ؛ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإسْلاَمَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَعَرَفْنَا وَاللهِ فِي وَجْهِهِ الإسِلاَمَ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ بهِ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذا أسْلَمْتُمْ؟ قَالُوا: تَغْتَسِلُ؛ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَكَ؛ وَتَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ؛ وتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ ثَوْبَهُ وَشَهِدَ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ أَخََذ حَرْبَتَهُ وَمَضَى إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الأَوْسِيُّ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ؛ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أمْرِي فِيْكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْياً، قَالَ: فَإنَّ كَلاَمَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُواْ باللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَمَا أمْسَى فِي دَار بَنِي الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ إلاَّ مُسْلِماً وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أسْعَدُ وَمُصْعَبُ إلَى مَنْزِلِ أسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ فَأَقَامَا عِنْدَهُ يَدْعُونَ النَّاسَ إلَى الإسلاَمِ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنَ الأَنْصَارِ إلاَّ وَفِيْهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ.
ثُمَّ إنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَخَرَجَ مَعَهُ مِنَ الأَنْصَار مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ سَبْعُونَ رَجُلاً مِنْ حُجَّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أهْلِ الشِّرْكِ حَتَّى قَدِمُواْ مَكَّةَ، فَوَاعَدُواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعَقَبَةَ مِنْ أوْسَطِ أيَّامِ التَّشْرِيْقِ؛ وَهِيَ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ وَكَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا فِيْهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرٍو ابْنِ حَرَامٍ أبُو جَابرٍ أخْبَرْنَاهُ؛ وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ مِنْ قَوْمِنَا إيْمَانَنَا، فَكَلَّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: يَا أبَا جَابرُ؛ إنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا وَإنَّا نَرْغَبُ لَكَ فِيْمَا نَرْغَبُ لأنْفُسِنَا، وَدَعْوَنَاهُ إلَى الإسْلاَمِ وَأخْبَرْنَاهُ بمِيْعَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ وَكَانَ نَقِيّاً، فَبتْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّى إذا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا لِمِيْعَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَتَسَلَّلُ مُسْتَخْفِيْنَ؛ حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعَب عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلاً وَمَعَنَا امْرَأتَانِ مِنْ نِسَائِنَا: نُسَيْبَةُ بنْتُ كَعْبٍ مِنْ نِسَاءِ بَنِي النَّجَّار؛ وأَسْمَاءُ بنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ مِنْ نِسَاءِ بَنِي سَلَمَةَ، فَاجْتَمَعْنَا فِي الشِّعَب نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ إلاَّ أنَّهُ أحَبَّ أنْ يَحْضُرَ مَعَ ابْنِ أخِيْهِ وِيَتَوَثَّقَ لَهُ، فَلَمَّا جَلَسَ كَانَ أوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ باسْمِ الْخَزْرَجِ - إعْلَمُواْ أنَّ مُحَمَّداً مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ؛ هُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍِ فِي بَلَدِهٍ؛ وَأَرَاهُ قَدْ أَبَى إلاَّ اللُّحُوقَ بكُمْ وَالانْقِطَاعَ إلَيْكُمْ، فَلَمَّا كُنْتُمْ تَرَوْنَ أنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ؛ فإنَّكُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذلِكَ، وَإنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ بهِ إلَيْكُمْ؟ فَمِنَ الآنَ فدَعُوهُ؛ فَإنَّهُ فِي عِزٍّ وَرفْعَةٍ وَمَنَعَةٍ.
قَالَ: فَقُلْنَا: سَمِعْنَا قَوْلَكَ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَخُذْ لِنَفْسِكَ وَرَبكَ مَا شِئْتَ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَلَى الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللهِ وَرَغَّبَ فِي الإسْلاَمِ، وَقَالَ:
"أُبَايعُكُمْ عَلَى أنْ تَمْنَعُونِي مَا تَمْنَعُونَ أنْفُسَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ. قَالَ: فَأَخَذ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُور بيَدِهِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ نَبيّاً نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ أبْنَاءَنَا، بَايعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَنَحْنُ أهْلُ الْحَرْب وَنَحْنُ أهْلُ الْحَلَقَةِ وَرثْنَاهَا صَاغِراً عَنْ كَابِرٍ. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنِ التَّبْهَانِ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ عُهُوداً وَنَحْنُ قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذلِكَ ثُمَّ أظْهَرَكَ اللهُ أنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ؛ وَالْهَدْمُ الْهَدْمُ، وَأَنْتُمْ مِنَّا وَأَنَا مِنْكُمْ، أحَاربُ مَنْ حَارَبْتُمُ، وَأسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ.
ثُمَّ قَالَ: أخْرِجُوا إلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَي عَشَرَ نَقِيْباً كِفْلاً عَلَى قَوْمِهِمْ بمَا فِيْهِمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَاريِّيْنَ بِعِيْسَى
عليه السلام
. فَأَخْرَجُواْ إثْنَي عَشَرَ نَقِيْباً، تِسْعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ؛ وَثَلاَثَةٌ مِنَ الأَوْسِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُواْ لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ؛ هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايعُونَ؛ إنَّمَا تُبَايعُونَهُ عَلَى حَرْب الأحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، فَإنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أنَّكُمْ إذا انْتُهِكَتْ أمْوالُكُمْ بالأَخْذِ، وَأشْرَافُكُمْ بالْقَتْلِ أسْلَمْتُمُوهُ؟! فَمِنَ الآنَ؛ فَهُوَ وَاللهِ إنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بمَا دَعَاكُمْ إلَيْهِ عَلَى نُهِيْكَةِ الأَمْوَالِ وَقَتْلِ الأَشْرَافِ، فَخُذُوهُ فَهُوَ وَاللهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالُواْ: فَإنَّا نَأَخُذُهُ عَلَى مُصِيْبَةِ الأَمْوَالِ وَقَتْلِ الأشْرَافِ؛ فَمَا لَنَا بذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا؟ قَالَ: لَكُمُ الْجَنَّةُ. قَالُواْْ: أبْسُطْ يَدَكَ؛ فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعُوهُ.
فَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِهِ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ؛ ثُمَّ بَايَعَ الْقَوْمُ وَاحِداً وَاحِداً، قَالَ: فَلَمَّا بَايَعْنَا صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأَسِ الْعَقَبَةِ بأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعَتْهُ أحْيَاءٌ كَثِيْرَةٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هَذَا عَدُوُّ اللهِ شَيْطَانُ الْعَقَبَةِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أمْضُوا إلَى رحَالِكُمْ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ نَبيّاً؛ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيْلَنَّ غَداً عَلَى أهْلِ مِنَى بأَسْيَافِنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لَمْ أُؤْمَرْ بذَلِكَ، إرْجِعُوا إلَى رحَالِكُمْ.
قَالَ: فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا فَبتْنَا، فَلَمَّا أصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلَّةُ قُرَيْشٍ، فَقَالُواْ لَنَا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ؛ بَلَغَنَا أنَّكُمْ جِئْتُمْ صَاحِبَنَا هَذَا لِتَسْتَخْرِجُوا ابْنَ أخِيْنَا مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا وَبَايَعْتُمُوهُ عَلَى حَرْبنَا، وَإنَّهُ وَاللهِ مَا حَيٌّ مِنَ الْعَرَب أبْغَضُ إلَيْنَا أنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ لَهُمْ باللهِ مَا كَانَ هَذَا شَيْءٌ وَمَا عَلِمْنَا، وَصَدَقُواْ لأنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُواْ عَلَى بَيْعَتِنَا، فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ.
ثُمَّ انْصَرَفَ الأنْصَارُ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَقَدْ شَدُّوا الْعَقْدَ، فَلَمَّا قَدِمُواْ أظْهَرُواْ الإسْلاَمَ بهَا، وَبَلَغَ ذلِكَ قُرَيْشاً، فآذوا أصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لأصْحَابِهِ: إنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَاناً وَمَنْزِلاً وَدَاراً تَأْمَنُونَ فِيْهَا"
. فَأَمَرَهُمْ بالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَاللُّحُوقِ بإخْوَانِهِمْ مِنَ الأَنْصَار، فَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِيْنَةِ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأسَدِ الْمَخْزُومِيِّ؛ ثُمَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيْعَةَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بنْتُ أبي خَيْثَمَةَ؛ ثُمَّ عَبْدُاللهِ بْنُ جَحْشٍ؛ ثُمَّ تَتَابَعَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إرْسَالاً إلَى الْمَدِيْنَةِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ يَنْظُرُ أنْ يُؤْذنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ إلَى أنْ أذِنَ لَهُ.
فَقَدِمَ الْمَدِيْنَةَ؛ فَجَمَعَ اللهُ أهْلَ الْمَدِيْنَةِ أوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا بالإسْلاَمِ، وَأَصْلَحَ ذاتَ بَيْنِهِمْ برَسُولِهِ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ الْعَدَاوَةَ الْقَدِيْمَةَ، وأَلَفَّ بَيْنَهُمْ). وذلكَ قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } أي بالإسلام { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } أي فَصِرْتُمْ، ونظيرهُ:
{
{ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }
[المائدة: 30]
{
{ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }
[المائدة: 31]
{
{ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً }
[الملك: 30].
وقَوْلُهُ تَعَالَى: { بِنِعْمَتِهِ } أي بدينِ الإسلامِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { إِخْوَاناً } أي في الدينِ والولايَة، نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }
[الحجرات: 10]، قالَ صلى الله عليه وسلم:
"لاَ تَحَاسَدُواْ وَلاَ تَبَاغَضُواْ وَلاَ تَنَابَزُواْ وَلاَ تَنَاجَشُواْ؛ وَكُونُواْ عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً، الْمُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا - وَأشَارَ بيَدِهِ إلَى صَدْرهِ - حَسْبَ امْرِئ مِنَ الشَّرِّ أن يَحْقُرَ أخَاهُ الْمُسْلِمَ"
].
قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا }؛ أي كنتم في الجاهليَّة على طَرَفِ هُوَّةٍ مِنَ النَّار؛ أيْ كنتم أشْرَفْتُمْ على النار؛ وَكِدْتُمْ تقعونَ فيها، أو أدْرَكَكُمُ الموتُ على الكفرِ؛ فَأَنْقَذكُمُ اللهُ مِنْهَا؛ أي خَلَّصَكم من النار والحفرةِ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والإيْمَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }؛ التي مثلَ هَذا البيانِ الذي تُلِيَ عليكُم يُبَيِّنُ اللهُ لكم الدَّلالاتِ والْحُجَجِ في الأوامرِ والنَّواهي لكي تَهتدُوا من الضلالةِ، وتكونوا على رجاءِ الهداية.
x
x
x
x
x
x
x
x
x
x
اختر كتب التفسير المراد اضافتها للمقارنة :
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
موافق
أعلى الصفحة
2024 © جميع الحقوق محفوظة