قوله تعالى: { ماء مباركاً } قيل يعني جميع المطر، كله يتصف بالبركة وإن ضر بعضه أحياناً، ففيه مع ذلك
الضر الخاص البركة العامة. وقال أبو هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء المطر فسالت الميازيب
قال: "لا محل عليكم العام" وقال بعض المفسرين: { ماء مباركاً } يريد به ماء مخصوصاً خالصاً للبركة
ينزله الله كل سنة، وليس كل المطر يتصف بذلك. { وحب الحصيد } الحنطة. و: { باسقات } معناه:
طويلات ذاهبات في السماء، ومنه قول ابن نوفل في ابن هبيرة: [مجزوء الكامل مرفّل]
يا ابن الذين لمجدهم بسقت على قيس فزارهْ
وروى قطبة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: "باصقات" بالصاد، قال أبو الفتح
الأصل: السين وإنما الصاد بدل منه، لاستعلاء القاف. و "الطلع" أول ظهور التمر في الكفرى وهو أبيض
منضد كحب الرمان. فما دام ملتصقاً بعضه ببعض فهو { نضيد }، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس
بنضيد. و: { رزقاً } نصب على المصدر والضمير في: { به } عائد على المطر. ووصف البلدة بـ "ميت"
على تقدير القطر والبلد.
وقرأ الناس "ميْتاً" مخففاً، وقرأ أبو جعفر وخالد "ميّتاً" بالتثقيل.
ثم بين تعالى موضع الشبه فقال: { كذلك الخروج }، هذه الآيات كلها إنما هي أمثلة وأدلة على
البعث. و { الخروج } يريد به من القبور، { وأصحاب الرس } قوم كان لهم بئر عظيمة وهي { الرس }،
وكل ما لم يطو من بئر أو معدن أو نحوه فهو رسّ. وأنشد أبو عبيدة للنابغة الجعدي:
سبقت إلى قرطبا هل تنابلة يحفرون الرساسا
وجاءهم نبي يسمى حنظلة بن صفوان فيما روي فجعلوه في { الرس } وردموا عليه. فأهلكهم الله،
وقال كعب الأحبار في كتاب الزهراوي: { أصحاب الرس } هم أصحاب الأخدود وهذا ضعيف. لأن
أصحاب الأخدود لم يكذبوا نبياً، إنما هو ملك أحرق قوماً. وقال الضحاك { الرس }: بئر قتل فيها صاحب
ياسين، قال منذر وروي عن ابن عباس أنهم قوم عاد.
و { الأيكة }: الشجر الملتف، وهم قوم شعيب، والألف واللام من { الأيكة } غير معرفة، لأن "أيكة"
اسم علم كطلحة يقال أيكة وليكة، فهي كالألف واللام في الشمس والقمر وفي الصفات الغالبة وفي هذا
نظر. وقرأ "الأيكة" بالهمز أبو جعفر ونافع وشيبة وطلحة.
{ وقوم تبع } هم حمير و { تبع } - سم فيهم، يذهب تبع ويجيء تبع ككسرى في الفرس وقيصر في
الروم، وكان أسعد أبو كرب أحد التبابعة رجلاً صالحاً صحب حبرين فتعلم منهما دين موسى عليه السلام
ثم إن قومه أنكروا ذلك عليه فندبهم إلى محاجة الحبرين، فوقعت بينهم مجادلة، واتفقوا على أن يدخلوا
جميعهم النار التي في القربان، فمن أكلته فهو المبطل، فدخلوها فاحترق { قوم تبع }، وخرج الحبران
تعرق جباههما، فهلك القوم المخالفون وآمن سائر { قوم تبع } بدين الحبرين. وفي الحديث اختلاف
كثير. أثبت أصح ذلك على ما في سير ابن هشام. وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "لا تلعنوا تبعاً، فإنه كان قد أسلم" وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن تبعاً كان نبياً.
وقوله تعالى: { كل كذب الرسل } قال سيبويه، التقدير: كلهم وحذف لدلالة كل عليه إيجازاً.
و "الوعيد" الذي حق: هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، ففي هذا تخويف
من كذب محمداً صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: { أفعيينا } توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم، وذلك أن جوابهم
على هذا التوقيف هو لم يقع عي، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة. وهذا تناقض، ويقال عيى يعيى
إذا عجز عن الأمر ويلح به، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي،
ومنه قول الشاعر [عبيد بن الأبرص]:
عـيـــوا بأمــرهـــم كـمـــا عـيـت ببيضتهــا الحـمــامــه
و "الخلق الأول" إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج المعلوم، وقال الحسن: "الخلق الأول" آدم
عليه السلام، حكاه الرماني، واللبس: الشك والريب واختلاط النظر. والخلق الجديد: البعث في القبور.