التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
-التغابن

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما } نافية ولذا زاد من المؤكدة { أصاب } الخلق يعنى نرسد بهيج كس { من مصيبة } من المصائب الدنيوية فى الابدان والأولاد والأموال { الا باذن الله } استثناء مفرغ منصوب المحل على الحال اى ما أصاب مصيبة ملتبسة بشئ من الاشياء الا باذن الله اى بتقديره وارادته كأنها بذاتها متوجهة الى الانسان متوقفة على اذنه تعالى ان تصيبه وهذا لا يخالف قوله تعالى فى سورة الشعرآء { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } اى بسبب معاصيكم ويتجاوز عن كثير منها ولا يعاقب عليها اما اولا فلان هذا القول فى حق المجرمين فكم من مصيبة تصيب من أصابته لامر آخر من كثرة الأجر للصبر وتكفير السيئات لتوفيه الأجر الى غير ذلك وما أصاب المؤمنين فمن هذا القبيل واما ثانيا فلان ما أصاب من ساء بسوء فعله فهو لم يصب الا باذن الله وارادته ايضا كما قال تعالى { قل كل من عند الله } اى ايجادا وايصالا فسبحان من لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء وكان الكفار يقولون لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب فى اموالهم وابدانهم فى الدنيا فبين الله ان ذلك انما يصيبهم بتقديره ومشيئته وفى اصابتها حكمة لا يعرفها الا هو منها تحصيل اليقين بأن ليس شئ من الامر فى يديهم فيبر أون بذلك من حولهم وقوتهم الى حول الله وقوته ومنها ما سبق آنفا من تكفير ذنوبهم وتكثير مثوباتهم بالصبر عليها والرضى بقضاء الله الى غير ذلك ولو لم يصب الانبياء والاولياء محن الدنيا وما يطرأ على الاجسام لافتتن الخلق بما ظهر على أيديهم من المعجزات والكرامات على ان طريان الآلام والاوجاع على ظواهرهم لتحقق بشريتهم لا على بواطنهم لتحقق مشاهدتهم والانس بربهم كأنهم معصومون محفوظون منها لكون وجودها فى حكم العدم بخلاف حال الكفار والاشرار نسأل العفو والعافية من الله الغفار.
وفى الآية اشارة الى اصابة مصيبة النفس الامارة بالاستيلاء على القلب والى اصابة مصيبة القلب السيار بالغلبة على النفس فانهما باذن تجلية القهرى للقلب الصافى بحسب الحكمة او باذن تجلية اللطفى الجمالى للنفس الجانية بحسب النقمة { ومن يؤمن بالله } يصدق به ويعلم انه لا يصيبه مصيبة الا باذن الله والاكتفاء بالايمان بالله لانه الاصل { يهد قلبه } عند اصابتها للثبات والاسترجاع فيثبت ولا يضطرب بأن يقول قولا ويظهر وصفا يدل على التضجر من قضاء الله وعدم الرضى به ويسترجع ويقول انا الله وانا اليه راجعون ومن عرف الله واعتقد انه رب العالمين يرضى بقضائه ويصبر على بلائه فان التربية كما تكون بما يلائم الطبع تكون بما يتنفر عنه الطبع وقيل يهد قلبه اى يوفقه لليقين حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه فيرضى بقضائه ويسلم لحكمه وقيل يهد قلبه اى يلطف به ويشرحه لازدياد الطاعة والخير وبالفارسية الله راه نما يددل اورا به بسند كارى ومزيد طاعت.
وقال ابو بكر الوراقرحمه الله ومن يؤمن بالله عند الشدة والبلاء فيعلم انها من عدل الله يهد قلبه الى حقائق الرضى وزوآئد اليقين وقال أبو عثمانرحمه الله من صحح ايمانه بالله يهد قلبه لاتباع سنن نبيه عليه السلام وعلامة صحة الايمان المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الآرآء والاهوآء المضلة وقال بعضهم ومن يؤمن بالله تحقيقا يهد قلبه الى العمل بمقتضى ايمانه حتى يجد كمال مطلوبه الذى امن به ويصل الى محل نظره وقال بعضهم ومن يؤمن بالله بحسب ذاته نور قلبه بنور المعرفة باسمائه وصفاته اذ معرفة الذات تستلزم معرفة الصفات والاسماء من غير عكس وباعتبار سبق الهداية ولحوقها فان الايمان بالله انما هو بهداية سابقة وهداية القلب انما هى هداية لاحقة يندفع توهم ان الايمان موقوف على الهداية فاذا كانت هى موقوفة عليه كما تفيده من الشرطية لما ان الشرط مقدم على المشروط لدار فان للهداية مراتب تقدما وتأخرا لا تنقطع ولذلك ندعو الله كل يوم ونقول مرارا اهدنا الصراط المستقيم بناء على ان فى كل عمل نريده صراطا مستقيما يوصل الى رضى الله تعالى وقيل انه مقلوب ومعناه من يهد قلبه يؤمن بالله. وروى فى يهد سبع قراآت المختار من السبع يهد مفردا غائبا راجعا ضميره الى الله مجزوم الآخر ليكون جواب الشرط المجزوم من الهداية وقرئ نهد بالنون على الالتفات منها ايضا ويهد مجهولا برفع قلبه على انه قائم مقام الفاعل منها ايضا ويهد بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ورفع قلبه ايضا بمعنى يهتد كقوله تعالى آمن لا يهدى الا أن يهدى ويهدأ من باب يسأل ويهدا بقلبها ألفا ويهد بحذفها تخفيفا فيهما والمعنى يطمئن ويسكن الى الحق { والله بكل شئ } من الاشياء التى من جملتها القلوب واحوالها كتسليم من انقاد لامره وكراهة من كرهه وكآفاتها وخلوصها من الآفات { عليم } فيعلم ايمان المؤمن وخلوصه ويهدى قلبه الى ما ذكر.