{ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } تسليم لقولهم، وأنهم بشر مثلهم، يعنون أنهم مثلهم في البشرية وحدها، فأما ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم، ولكنهم لم يذكروا فضلهم تواضعاً منهم، واقتصروا على قولهم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } بالنبوّة، لأنه قد علم أنه لا يختصهم بتلك الكرامة إلا وهم أهل لاختصاصهم بها، لخصائص فيهم قد استؤثروا بها على أبناء جنسهم { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أرادوا أن الإتيان بالآية التي اقترحتموها ليس إلينا ولا في استطاعتنا، وما هو إلا أمر يتعلق بمشيئة الله { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً وأمروها به، كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وما يجري علينا منكم. ألا ترى إلى قوله: { وَمَا لَنَا أَن لا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } ومعناه: وأيّ عذر لنا في أن لا نتوكل عليه { وَقَدْ هَدَانَا } وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه، وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين، فإن قلت: كيف كرّر الأمر بالتوكل؟ قلت: الأول لاستحداث التوكل، وقوله: { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } معناه فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم وقصدهم إلى أنفسهم على ما تقدّم.