التفاسير

< >
عرض

وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومريم ابنة عمران } عطف على امرأة فرعون وجمع فى التمثيل بين التى لها زوج والتى لا زوج لها تسلية للارامل وتطيبا لانفسهن وسميت مريم فى القرءآن باسمها فى سبعة مواضع ولم يسم غيرها من النساء لانها اقامت نفسها فى الطاعة كالرجل الكامل ومريم بمعنى العابدة وقد سمى الله ايضا زيدا فى القرءآن كما سبق فى سورة الاحزاب والمعنى وضرب الله مثلا للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى عليها السلام وما اوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفارا { التى احصنت فرجها } الاحصان العفاف يعنى باز ابستادن اززشتى كما فى تاج المصادر والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والمعنى حفظت فر جها عن مساس الرجال مطلقا حراما وحلالا على آكدالحفظ وبالفارسية آن زباكه نكاه داشت دامن خود را از حرام.
وفاحشه كما فى تفسير الكاشفى قال بعضهم صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون لانه كان عنينا وهو من لا يقدر على الجماع لمرض او كبر سن او يصل الى الثيب دون البكر فالتعبير عن آسية بالثيب كما مر فى ثيبات لكونها فى سورة الثيب من حيث ان لها بعلا وقال السهيلى رحمة الله احصان الفرج معناه طهارة الثوب يريد فرج القميص اى لم يعلق بثوبها ريبة أى انها طاهرة الاثواب فكنى باحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة وفروج القميص اربعة الكمان والاعلى والاسفل فلا يذهبن وهمك الى غير هذا لان القرءآن انزه معنى واوجز لفظا وألطف اشارة واحسن عبارة من أن يريد ما ذهب اليه وهم الجاهل انتهى قال فى الكشاف ومن بدع التفاسير ان الفرج هو جيب الدرع ومعنى احصنته منعته { فنفخنا فيه } الفاء للسببية والنفخ نفخ الريح فى الشئ اى فنفخنا بسبب ذلك فى فرجها على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب (كما قال الكاشفى) بس درد ميديم در كريبان جامه او وكذا السجاوندى فى عين المعانى اى فيما انفرج من جيبها وكذا ابو القاسم فى الاسئلة لم يقل فيها لان المراد بالكناية جيب درعها وهو الى التذكير اقرب فيكون قوله فيه من باب الاستخدام لان الظاهر ان المراد بلفظ الفرج العضو وأريد بضميره معنى آخر للفرج منه قوله تعالى
{ ومالها من فروج } وكذا يكون اسناد النفخ فى الضمير مجازيا اى نفخ جبريل بأمرنا وهو انما نفخ فى جيب درعها { من روحنا } اى من روح خلقناه بلا توسط اصل واضاف الروح الى ذاته تعالى تفخيما لها ولعيسى كقوله { وطهر بيتى } وفى سورة الانبياء { فنفخنا فيها } اى فى مريم اى احيينا عيسى فى جوفها من الروح الذى هو من امرنا وقال بعضهم احيينا فى فرجها واوجدنا فى بطنها ولدا من الروح الذى هو بامرنا وحده بلا سببية اصل وتوسل نسل على العادة العامة او من جهة روحنا جبريل لانه نفخ من جيب درعها فوصل النفخ الى جوفها او ففعلنا النفخ فيه وقرئ فيها على وفاق ما فى سورة الانبياء اى فى مريم والمآل واحد انتهى.
يقول الفقير يلوح لى ههنا سر خفى وهو ان النفخ وان كان فى الجيب الا ان عيسى لما كان متولد من الماءين الماء المتحقق وهو ماء مريم والماء المتوهم وهو ما حصل بالنفخ كان النفخ فى الجيب بمنزلة صب الماء فى الفرج فالروح المنفوخ فى الجيب كالماء المصبوب فى الفرج والماء المصبوب وان لم يكن الروح عينه الا انه فى حكم الروح لانه يخلق منه الروح ولذا قال تعالى { فنفخنا فيه } اى فى الفرج سوآء قالت انه فرج القميص او العضو فاعرف ولا يقبله الا الالباء الروحانيون { وصدقت } معطوف على احصنت { بكلمات ربها } اى بالصحف المنزلة على الانبياء عليهم السلام وفى كشف الاسرار يعنى الشرآئع التى شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة ويقال صدقت بالبشارات التى بشر بها جبريل { وكتبه } اى بجميع كتبة المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتب الالهية متقدمة او متأخرة { وكانت من القانتين } اى من عداد المواظبين على الطاعة فمن للتبعيض وفى عين المعانى من المطيعين المعتكفين فى المسجد الاقصى والتذكير لتغليب المذكر فان مريم جعلت داخلة فى ذلك اللفظ مع المذكرين والاشعار بأن طاعتها لم تقتصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم او كانت من القانتين اى من نسلهم لانها من اعقاب هرون اخى موسى عليه السلام فمن لابتدآء الغاية وعن النبى عليه السلام
"كمل الرجال كثير ولم تكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" كان العرب لا يؤثرون على الثريد شيأ حتى سموه بحبوحة الجنة وذلك لان الثريد مع اللحم جامع بين المغدآء واللذة وسهولة التناول وقلة المؤونة فى المضع فضرب به مثلا يؤذن بأنها اعطيت مع الحسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورصانة العقل والتحبب الى البعل فهى تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والاصغاء اليها وحسبك انها عقلت من النبى عليه السلام ما لم يعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال وقد قال عليه السلام فى حقها "خذوا ثلثى دينكم من عائشة" ولذا قال فى الأمالى

وللصديقة الرجحان فاعلم على الزهرآء فى بعض الخصال

لكن الكمال المطلق انما هو لفاطمة الزهرآء رضى الله عنها كما دل عليه الحديث المذكور وايضا دل تشبيه عائشة بالثريد على تشبيه غيرها من المذكورات باللحم وهو سيد الادام.
يقول الفقير رأيت فى بعض الليالى المنورة كأن النبى عليه السلام يقول لى عائشة ست النساء اللاتى اجتمعن ومعناه على ما الهمت وقتئذأن عائشة رضى الله عنها هى السادسة من النساء الست اللاتى اجتمعن فى نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الست من التسع متساوية فى الفضيله ومنها عائشة لكن اشتهرت عائشة بالفضل ونودى عليها بذلك وخفيت احوال الباقيات من الست لحكمة خفية الهية ولذا لم يعين لى رسول الله عليه السلام من بقيت من الست ودل الحديث على كثرة كمال الرجال وقلة كمال النساء فيما بعض عصر النبى عليه السلام وان كانت القرون متفاوتة والاعصار متباينة ولذا قال الحافظ

نشاناهل خدا عاشقيست باخد دآر كه در مشايخ شهر اين نشان نمى بينم

(توقال المولى الجامى)

اسرار عاشقانرا بايد زبان ديكر درداكه نيست بيدا درشهر همزبانى

والله الهادى.
تمت سورة التحريم فى اوائل شهر الله رجب من الشهور المنتظمة فى سلك شهور (سنة ست عشرة ومائة وألف)