التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ
١٥
-القيامة

روح المعاني

وقوله تعالى: { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أي ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه، حال من المستكن في { بَصِيرَةٌ } [القيامة: 14] أو من مرفوع { يُنَبَّأُ } [القيامة: 13] أي هو على نفسه حجة وهو شاهد عليها ولو أتى بكل عذر في الذب عنها، ففيه تنبيه على أن الذب لارواج له أو ينبؤ بأعماله ويجازى ويعاقب لا محالة ولو أتى بكل عذر فهو تأكيد لما يفهم من مجموع قوله تعالى { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ } الخ.

والمعاذير جمع معذرة بمعنى العذر على خلاف القياس والقياس معاذر بغير ياء وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في إطلاق ذلك على الجموع المخالفة للقياس وإلا فهو ليس من أبنية اسم الجمع، وقال صاحب «الفرائد» يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من إشباع الكسرة وهو كما ترى، أو جمع معذار على القياس وهو بمعنى العذر وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات نعم قال السدي والضحاك المعاذير الستور بلغة اليمن واحدها معذار وحكي ذلك عن الزجاج أي ولو أرخى ستوره والمعنى أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يغني عنه شيئاً لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ } [فصلت: 22] الآية وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر فالمعنى بل الإنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو تستر بالستور، ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد كما تقدم، والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الأعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروي للعطش ويشير إلى هذا قول السدي في ذلك ولو أدلى بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولو أحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين و{ لَوْ } على جميع هذه الأقوال إما أن يكون معنى الشرطية منسلخا عنها كما قيل فلا جواب لها وإما أن يكون باقياً فيها فالجواب محذوف يدل عليه ما قبل واستظهر الخفاجي الأول.

وفي الآية على بعض وجوهها دليل كما قال ابن العربـي على قبول إقرار المرء على نفسه وعدم قبول الرجوع عنه والله تعالى أعلم.

أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وعبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم والبيهقي معاً في «الدلائل» وجماعة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله تعالى { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } [القيامة: 16] الخ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق وفي / لفظ استمع فإذا ذهب قرأه كما وعد الله عز وجل.