تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الآية.
والمعنى: وأوصى ألا تقربوا مال اليتيم، { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }: يعني التجارة فيه. وقال السَدِّي: يُثَمَّرُ ماله.
وقال الضَحَّاك: يبتغي له فيه الربح ولا يأخذ من ربحه شيئاً. وقال ابن زيد: أن يأكل بالمعروف إن افتقر، ولا يأكل منه إن استغنى.
{ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }: الحُلُم عند مالك وغيره. قال السَدَّي: { أَشُدَّهُ }: ثلاثون سنة. وروي عنه: ثلاث وثلاثون. وقيل: بلوغ الأشد: أن يؤنس مع بلوغ الحلم. وهذا قول حسن، وبه يقول أهل المدينة.
ومعنى: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } أي: فإذا بلغ فادفعوا إليه ماله إن آنستم منه قوله رشداً، هذا المعنى محذوف من الكلام للدلالة عليه، إذ / لو تركنا والظاهر، ولم نقدر حذفاً، لكان المعنى: أن يقرب ماله إذا بلغ أَشُدَّه، لأنَّ النهي إنَّما وقع على المدة التي هي قبل الأشدِ. قوله: { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } أي: لا تبخسوا الناس الكيل والميزان، ولكن اعطوهم حقوقهم، (بالقسط) أي: بالعدل، { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }: أي: لا نكلفها في إيفَاءِ الكيل والوزن إلا طاقتها، لا نُضِيّقُ عليها إلا أن تعطي الحق مبلغ طاقتها، قوله: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } أي: إذا تكلمتم بين النَّاس فأَنْصِفُوا وقولوا الحَقَّ، ولو كان الذي يتوجه عليه الحَقَّ ذا قرابة منكم، فلا تحملنكم قرابته على القول بغير الحقِّ.
وقيل المعنى: إذا شَهِدتُم فقولوا الحقَّ ولو كان المشهود عليه ذا قرابة منكم. { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } أي: بوصيته التي وصاكم بها أوفوا، { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ (بِهِ) } أي: وصاكم الله بهذه الأمور التي في هاتين الآيتين، وأمركم بالعمل بها لا بما قد سننتم من البحائر والسوائب والوصائل والحامي وقتل الأولاد ووَأْدِ البنات وتحريم بعض الأنعام واتباع خطوات الشيطان، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي: أمركم بذلك لعلكم تذكرون نعمته عليكم وما قد هداكم إليه.
وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات من الآيات المحكمات. وقال كعب: - وقد سمع رجلاً يقرأ { { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 151] -: والذي نفس كعب بيده إنّ هذا لأول شيء في التوراة: بسم الله الرحمن الرحيم: { { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ } [الأنعام: 151] إلى آخر الآية.