خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٥٣
-الأنعام

تفسير القرآن العظيم

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } وفي قوله: { { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [الشورى: 13] ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا، قاله مجاهد وغير واحد.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا الأسود بن عامر شاذان، حدثنا أبو بكر، هو ابن عياش، عن عاصم، هو ابن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله، هو ابن مسعود رضي الله عنه: قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده، ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيماً" وخط عن يمينه وشماله، ثم قال: "هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }، وكذا رواه الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي بكر بن عياش به، وقال: صحيح، ولم يخرجاه، وهكذا رواه أبو جعفر الرازي وورقاء وعمرو بن أبي قيس، عن عاصم، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود مرفوعاً به نحوه، وكذا رواه يزيد بن هارون ومسدد والنسائي عن يحيى بن حبيب بن عربي، وابن حبان من حديث ابن وهب، أربعتهم عن حماد بن زيد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود به، وكذا رواه ابن جرير عن المثنى عن الحماني عن حماد بن زيد به، ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به كذلك، وقال: صحيح ولم يخرجاه. وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم من حديث أحمد بن عبد الله ابن يونس، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً، وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث يحيى الحماني، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، به، فقد صححه الحاكم كما رأيت من الطريقين، ولعل هذا الحديث عن عاصم بن أبي النجود عن زر، وعن أبي وائل شقيق بن سلمة، كلاهما عن ابن مسعود به، والله أعلم.

وقال الحاكم: وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي عن جابر من وجه غير معتمد، يشير إلى الحديث الذي قال الإمام أحمد وعبد بن حميد واللفظ لأحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، وهو أبو بكر بن أبي شيبة، أنبأنا أبو خالد الأحمر، عن مجاهد، عن الشعبي، عن جابر، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً هكذا أمامه، فقال: "هذا سبيل الله" وخطين عن يمينه، وخطين عن شماله، وقال: "هذه سبل الشيطان" ثم وضع يده في الخط الأوسط، ثم تلا هذه الآية: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ورواه أحمد وابن ماجه في كتاب السنة من سننه، والبزار عن أبي سعيد عبد الله بن سعيد عن أبي خالد الأحمر به، قلت: ورواه الحافظ بن مردويه من طريقين عن أبي سعيد الكندي، حدثنا أبو خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، وخط عن يمينه خطاً، وخط عن يساره خطاً، ووضع يده على الخط الأوسط، وتلا هذه الآية: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ } ولكن العمدة على حديث ابن مسعود، مع ما فيه من الاختلاف، إن كان مؤثراً، وقد روي موقوفاً عليه، قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبان، عن عثمان: أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، ثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد، انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط، انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } الآية، وقال ابن مردويه: حدثنا أبو عمرو، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، حدثنا آدم، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا أبان بن أبي عياش، عن مسلم بن أبي عمران، عن عبد الله ابن عمر، سأل عبد الله عن الصراط المستقيم، فقال ابن مسعود: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وذكر تمام الحديث كما تقدم، والله أعلم.

وقد روي من حديث النواس بن سمعان نحوه، قال الإمام أحمد: حدثني الحسن بن سوار أبو العلاء، حدثنا ليث، يعني: ابن سعد، عن معاوية بن صالح: أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه، عن النواس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعن جنبي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يدعو: يا أيها الناس هلموا ادخلوا الصراط المستقيم جميعاً، ولا تفرقوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن فتحته تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب، المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم" ورواه الترمذي والنسائي عن علي بن حجر، زاد النسائي: وعمرو بن عثمان، كلاهما عن بقية بن الوليد، عن يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان، به، وقال الترمذي: حسن غريب.

وقوله تعالى: { فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } إنما وحد سبيله؛ لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل؛ لتفرقها وتشعبها؛ كما قال تعالى: { { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } [البقرة: 257] وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سفيان ابن حسين، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟" ثم تلا: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حتى فرغ من ثلاث آيات، ثم قال: "ومن وفى بهن، فأجره على الله،ومن انتقص منهن شيئاً، فأدركه الله في الدنيا، كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة، كان أمره إلى الله، إن شاء آخذه، وإن شاء عفا عنه" .