{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } أي قصوراً ومنازل وهي كواكب وبروج الشمس والقمر والكواكب السيارة وأسماؤها الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت.
{ وَزَيَّنَّاهَا } يعني السماء { لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ } لكن من استرق السمع، { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ } نار { مُّبِينٌ } بيّن.
قال ابن عباس: تصعد الشياطين أفواجاً يسترق السمع فينفرد المارد منها فيعلو فيرمي بالشهاب فيصيب جبهته أو جبينه أو حيث شاء الله منه فيلتهب فيأتي أصحابه وهو ملتهب فيقول: إنه كان من الأمر كذا وكذا فيذهب أُولئك إلى إخوانهم من الكهنة فيزيدون عليه تسعاًفيحدثون بها أهل الأرض الكلمة حق والتسع باطل فإذا رأوا شيئاً مما قالوا قد كان صدقوهم بما جاؤوا به من كذبهم.
وقال ابن عباس أيضاً: كانت الشياطين لا يحجبون عن السماوات فكانوا يدخلونها فيأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة بأن ولد عيسى، ومنعوا عن ثلاث سماوات فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم نعوا من السماوات أجمع فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلاّ رمي بشهاب، فلما منعوا بتلك المقاعد ذكروا ذلك لإبليس فقال لقد حدث في الأرض حدث.
قال: فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن فقالوا: هذا والله حديث وإنهم ليرمون فإذا نوّر النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبداً ولكن لا يقتله بحرق وجهة جنبه ويده،وبعضهم من يخبلّه فيصبر حولاً، يضل الناس في البوادي.
قال يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق: إن أول من فزع للرمي بالنجوم حين رما بها هذا الحي من ثقيف، وإنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أُمية أحد بني علاج وكان أدهى العرب وأمكرها رأياً فقالوا له: ألم تر ما حدث في السماء في القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر ويعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء؟ لما يصلح الناس من معايشهم هي التي يرمى بها فهو والله طيّ الدنيا وهلاك الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوم غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا الأمر أراد الله به هذا في الخلق.
وروى عمارة بن زيد عن عبد الله بن العلا عن أبي الشعشاع عن أبيه عن أبي لهب بن مالك قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت عنده الكهانة فقلت: بأبي أنت وأمي نحن أول من تطوع لحراسة السماء وزجر الشياطين ومنع الجن من استراق السمع عند قذفها بالنجوم، وإنا لما رأينا ذلك اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخاً كبيراً قد أتت عليه ثلاثمائة وستون سنة هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمى بها فأنا قد فزعنا وخفنا سوء عاقبتها، فقال لنا: اعدوا عليّ في السحر، ائتوني بسحر أُخبركم الخبر إما بخير أو ضرر، قال: فانصرفوا عنه يومنا فلما كان في وقت السحر أتينا فإذا هو قائم على قدميه شاخص بعينيه إلى السماء فناديناه يا خطر فأومأ إلينا أن امسكوا فأمسكنا فانقض من السماء نجم عظيم وصرخ الكاهن بأعلى صوته: أصابه أصابه خامره عاقبه عاجله عذابه أحرقه شهابه، زايله جوابه، يا ويله ما حاله،
تغيرت أحواله.
ثم أمسك وطفق يقول يا معشر بني قحطان:
أُخبركم بالحق والبيانأقمت بالكعبة والأركان
والبلد المؤتمن السدانقد منع السمع عتاة الجان
بثاقب بكف ذى سلطانمن اجل مبعوث عظيم الشان
يبعث بالتنزيل والفرقانوبالهدى وفاضل القرآن
تبطل به عبادة الأوثان
قال: فقلت: ويحلك يا خطر إنك لتذكر أمراً عظيماً فماذا ترى لقومك؟
فقال:
أرى لقومي ما أرى لنفسيأن يتبعوا خير بني الإنس
برهانه مثل شعاع الشمسيبعث في مكة دار الحمس
بمحكم التنزيل غير اللبس
قال: فقلنا له: من هو وما اسمه وما مدته؟ قال: الحياة والعيش إنه لمن قريش ما في حكمه من طيش ولا في خلقه هيش، تكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل أيش، والأيش الأخلاط من كل قوم، فقلنا له من أي البطون هو فقال: بطن إسماعيل ولد إبراهيم، فقلنا له بيّن لنا من أي قريش هو؟ قال:
والبيت ذي الدعائموالسدير والحمائم
إنه لمن نسل هاشممن معشر أكارم يبعث بالملاحم
وقتل كل ظالم
ثم قال: الله أكبر الله أكبر جاء الحق وأظهره وانقطع عن الإنس الخبر هذا هو البيان أخبرني به رأس الجان، ثم قال هذا وسكت وأُغمي عليه فما أفاق إلاّ بعد ثلاثة أيام فلما أفاق قال: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ثم مات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوة وإنه ليحشر يوم القيامة أُمة وحده" .
{ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } بسطناها على رحبة الماء { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } جبالا ثوابت { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا } أي في الأرض { مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } مقدر معلوم وقيل: بغى به في الجبال وهو جواهر من الفضة والذهب والحديد والنحاس وغيرها حتى الزرنيخ والكحل كل ذلك يوزن وزناً.
قال ابن زيد هي الأشياء: التي توزن.
{ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } جمع معيشة { وَمَن لَّسْتُمْ } يعني ولمن لستم { لَهُ بِرَازِقِينَ } هي الدواب والأنعام.
عن شعبة قال: قرأ علينا منصور: { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } قال الوحش.
قال أبو حسن: «من» في محل الخفض عطفاً على الكاف والميم في قوله { لَكُمْ }.
وقد يفعل العرب هذا كقول الشاعر:
هلا سألت بذي الجماجم عنهموأبي نعيم ذي اللوا المخرق
فعطف بالظاهر على المكنى و(من) في هذه الآية بمعنى: ما، كقوله { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ } [النور: 45] { وَإِن مِّن شَيْءٍ } وما من شيء من أرزاق الخلق { إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ } من السماء { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } لكل أرض حد مقدر.
قال ابن مسعود: وما من أرض أمطر من أرض، وما عام أمطر من عام ولكن الله يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء عاماً هاهنا وعاماً هاهنا ثم قرأ هذه الآية.
وروى إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عيينة في هذه الآية: ما من عام بأكثر مطراً من عام ولكن يُمطر قوم ويُحرم آخرون وربما كان في البحار والقفار قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث يقع وما ينبت.
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: «في العرش مثال كل شيء خلقه الله في البر والبحر. وهو تأويل قوله تعالى: وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه».