التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ
١٩
-الجاثية

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }.
قد قدمنا في هذا الكتاب المبارك مراراً أن الظلم في لغة العرب أصله وضع الشيء في غير موضعه.
وأن أعظم أنواعه الشرك بالله لأن وضع العبادة في غير من خلق ورزق هو أشنع أنواع وضع الشيء في غير موضعه.
ولذا كثر في القرآن العظيم، إطلاق الظلم بمعنى الشرك. كقوله تعالى:
{ وَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [البقرة: 254]. وقوله تعالى: { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 106] وقوله تعالى: { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. وقد ثبت في صحيح البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }[الأنعام: 82]. بأن معناه ولم يلبسوا إيمانهم بشرك" .
وما تضمنته آية الجاثية هذه من أن الظالمين بعضهم أولياء بعض جاء مذكوراً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في آخر الأنفال: { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال: 73]. وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الأنعام: 129]. وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [البقرة: 257]. وقوله تعالى: { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الأعراف: 30] الآية. وقوله تعالى: { فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ } [النساء: 76] الآية. وقوله تعالى: { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } [آل عمران: 175]، وقوله { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [النحل: 100] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: { وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه ولي المتقين، وهم الذين يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه.
وذكر في موضع آخر أن المتقين أولياؤه فهو وليهم وهم أولياؤه لأنهم يوالونه بالطاعة والإيمان، وهو يواليهم بالرحمة والجزاء، وذلك في قوله تعالى:
{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62].
ثم بين المراد بأوليائه في قوله
{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [يونس: 63]، فقوله تعالى: { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } كقوله في آية الجاثية هذه { وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }.
وقد بين تعالى في آيات من كتابه أنه ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤه كقوله تعالى:
{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [المائدة: 55] الآية. وقوله تعالى: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257]. وقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [محمد: 11] الآية. وقوله تعالى { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } [الأعراف: 196] وقوله تعالى في الملائكة { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [سبأ: 41] الآية. إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه بأبسط من هذا.