التفاسير

< >
عرض

وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ
٢
-القمر

روح المعاني

وكذا قوله تعالى: { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ } فإنه يقتضي أن الانشقاق آية رأوها وأعرضوا عنها، وزعم بعضهم أن انشقاق القمر عبارة عن انشقاق الظلمة عند طلوعه وهذا كما يسمى الصبح فلقاً عند انفلاق الظلمة عنه وقد يعبر عن الانفلاق بالانشقاق كما في قول النابغة:

فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داعي

وزعم آخر أن معنى انشق القمر وضح الأمر وظهر وكلا الزعمين مما لا يعول عليه ولا يلتفت إليه ولا أظن الداعي إليهما عند من يقرّ بالساعة التي هي أعظم من الانشقاق ويعترف بالعقائد الإسلامية التي وقع عليها الاتفاق سوى عدم ثبوت الأخبار في وقوع ذلك على عهده عليه الصلاة والسلام عنده؛ ومنشأ ذلك القصور التام والتمسك بشبه هي على طرف الثمام، ومع هذا لا يكفر المنكر بناءاً على عدم الاتفاق على تواتر ذلك وعدم كون الآية نصاً فيه، والإخراج من الدين أمر عظيم فيحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره والله تعالى الموفق.

والظاهر أن المراد باقتراب الساعة القرب الشديد الزماني، وكل آت قريب، وزمان العالم مديد، والباقي بالنسبة إلى الماضي شيء يسير. ومال الإمام إلى أن المراد به قربها في العقول والأذهان، وحاصله أنها ممكنة إمكاناً قريباً لا ينبغي لأحد إنكارها، واستعمال الاقتراب مع أنه أمر مقطوع به كاستعمال لعل في قوله تعالى: { { لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [الأحزاب: 63] مع أن الأمر معلوم عند الله تعالى وانشقاق القمر آية ظاهرة على هذا القرب، وعلى الأول قيل: هو آية لأصل الإمكان الذي يقتضيه قرب الوقوع، وقيل: هو آية لقرب الوقوع ومعجزة للنبـي صلى الله عليه وسلم باعتبار أن الله تعالى مخبر في كتبه السالفة بأنه إذا قربت الساعة انشق القمر معجزة وكلاهما كما ترى، واختار بعضهم أنه آية لصدق النبـي عليه الصلاة والسلام في جميع ما يقول ويبلغ ربه سبحانه لأنه معجزة له صلى الله عليه وسلم ومنه دعوى الرسالة والإخبار باقتراب الساعة وغير ذلك، و { ءايَةً } نكرة في سياق الشرط فتعم، فالمعنى: وإن يروا كل آية يعرضوا عن التأمل فيها ليقفوا على وجه دلالتها وعلو طبقتها.

{ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ } أي هذا أو هو أي ما نراه سحر { مُّسْتَمِرٌّ } أي مطرد دائم يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم على مر الزمان وهو ظاهر في ترادف الآيات وتتابع المعجزات. وقال أبو العالية والضحاك: { مُّسْتَمِرٌّ } محكم موثق من المرة - بالفتح أو الكسر - بمعنى القوة وهو في الأصل مصدر مررت الحبل مرة إذا فتلته فتلاً محكماً فأريد به مطلق المحكم مجازاً مرسلاً، وقال أنس ويمان ومجاهد والكسائي والفراء واختاره النحاس مستمر أي مارّ ذاهب زائل عن قريب عللوا بذلك أنفسهم ومنوها بالأماني الفارغة كأنهم قالوا: إن حاله عليه الصلاة والسلام وما ظهر من معجزاته سبحانه:

سحابة صيف عن قريب تقشع

{ { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [التوبة: 32] وقيل: { مُّسْتَمِرٌّ } مشتدّ المرارة أي مستبشع عندنا منفور عنه لشدة مرارته يقال: مرّ الشيء وأمرّ إذا صار مرّاً وأمرّ غيره ومرّه يكون لازماً ومتعدياً، وقيل: { مُّسْتَمِرٌّ } يشبه بعضه بعضاً أي استمرت أفعاله على هذا الوجه من التخييلات، وقيل: { مُّسْتَمِرٌّ } مار من الأرض إلى السماء أي بلغ من سحره أنه سحر القمر وهذا ليس بشيء، ولعل الأنسب / بغلوهم في العناد والمكابرة ما روي عن أنس ومن معه. وقرىء ـ وإن يُروا ـ بالبناء للمفعول من الإراءة.