{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ } أي يبيعها ببذلها في الجهاد على ما روي عن ابن عباس والضحاك رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في سرية الرجيع، أو في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على ما أخرج ابن جرير عن أبـي الخليل قال: سمع عمر رضي الله تعالى عنه إنساناً يقرأ هذه الآية فاسترجع وقال: قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
{ ٱبْتَغَاءَ مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ } أي طلباً لرضاه، فابتغاء مفعول له، ومرضات مصدر بني ـ كما في «البحر» ـ على التاء كمدعاة، والقياس تجريده منها، وكتب في المصحف ـ بالتاء ـ ووقف عليه ـ بالتاء والهاء ـ وأكثر الروايات أن الآية نزلت في صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه،/ فقد أخرج جماعة أنّ صهيباً أقبل مهاجراً نحو النبـي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من المشركين فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً؛ وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم. فقالوا. دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل، فلما قدم على النبـي صلى الله عليه وسلم قال:
"أبا يحيـى ربح البيع ربح البيع" وتلا له الآية. وعلى هذا يكون الشراء على ظاهره بمعنى الاشتراء. وفي الكواشي أنها نزلت في الزبير بن العوام وصاحبه المقداد بن الأسود لما قال عليه الصلاة والسلام:
"من ينزل خبيباً عن خشبته فله الجنة" فقال: أنا وصاحبـي المقداد ـ وكان خبيب قد صلبه أهل مكة ـ وقال الإمامية وبعض منا: إنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه حين استخلفه النبـي صلى الله عليه وسلم على فراشه بمكة لما خرج إلى الغار، وعلى هذا يرتكب في الشراء مثل ما ارتكب أولاً { وَٱللَّهُ رَءوفٌ بِٱلْعِبَادِ } أي المؤمنين حيث أرشدهم لما فيه رضاه، وجعل النعيم الدائم جزاء العمل المنقطع وأثاب على شراء ملكه بملكه.