التفاسير

< >
عرض

لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ لو أنزلنا هذا القرءآن } العظيم الشأن المنزل عليكم ايها الناس المنطوى على فنون القوارع او المنزل عليك يا محمد او على محمد بحسب الالتفات فى الخطاب قال ابن عباس رضى الله عنهما ان السماء اطت يعنى آو ازداد من ثقل الالواح لما وضعها الله عليها فى وقت موسى فبعث الله لكل حرف منها ملكا فلم يطيقوا حلمها فخففها على موسى وكذلك الانجيل على عيسى والفرقان على محمد عليهم السلام ثم انه لايلزم فى الاشارة وجود جملة المشار اليه ذى الابعاض المترتبة وجودا بل يكفى وجود بعض الاشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكما ويحتمل أن يكون المشار اليه هنا الآية السابقة من قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } الخ فان لفظ القرءآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض منه حقيقة بالاشتراك او باللغة او مجازا بالعلاقة فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار اليه { على جبل } من الجبال وهى ستة آلاف وستمائمة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول كما فى زهرة الرياض وهى محركة كل وتد للارض عظم وطال فان انفرد فأكمة وقنة بضم القاف و اعتبر معانية فاستعير واشتق منه بحسبه فقيل فلان جبل لايتد حرج تصور المعنى الثابت وجبله ا لله على كذا اشارة الى ماركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله { لرأيته } يامن من شأنه الرؤية اويا محمد مع كونه علما فى القسوة وعدم التأثر مما يصدمه { خاشعا } خاضعا ذليلا وهو حال من الضمير المنصوب فى قوله { لرأيته } لانه من الرؤية البصرية قال بعضهم الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له وقال بعضهم الخضوع فى البدن والخشوع فى الصوت والبصر قال الراغب الخشوع ضراعة واكثر مايستعمل فيما يوجد فى الجوارح والضراعة اكثر ماتستعمل فيما يوجد فى القلب ولذلك قيل فيما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح { متصدعا من خشية الله } اى متشققا منها أن يعصيه فيعاقبه والصدع شق فى الاجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق فى الرأس من الوجع قال العلماء هذا بيان وتصوير لعلو شأن القرءآن وقوة تأثير مافيه من المواعظ أريد به توبيخ الانسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه والمعنى لو ركب فى الجبل عقل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس ثم أنزل عليه القرءآن ووعد وأوعد حسب حالكم لخشع وخضع وتصدع من خشية الله حذرا من ان لايؤدى حق الله تعالى فى تعظيم القرءآن والامتثال لما فيه من امره ونهيه والكافر المنكر اقسى منه ولذا لا يتأثر اصلا (مصراع) اى دل سنكين تويك ذره سوهان كيرنيست، وهو كما تقول لمن تعظه ولا ينجع فيه وعظك لو كلمت هذا الحجر لأثر فيه ونظيره قول الامام مالك للشافعى لو رأيت أبا حنيفة رأيت رجلا لو كلمك فى هذه السارية ان يجعلها ذهبا لقامت حجته

دلرا اثر روى توكل بوش كند جانرا سخن خوب تو مدهوش كند
آتش كه شراب وصل تونوش كند از لطف تو سوختن فراموش كند

يقول الفقير فيه ذهول عن ان الله تعالى خلق الاشياء كلها ذات حياة وادراك فى الحقيقة والا لما اندك الجبل عند التجلى ولما شهد للمؤذن كل رطب ويابس سمع صوته ونحو ذلك وقد كاشف عن هذه الحياة اهل الله وغفل عنها المحجوبون على ما حقيق مرارا نعم فرق بين الجبل عند التجلى وعندما أنزل عليه القرءآن وبينه عند الاستتار وعدم الانزال فان اثر الحياة فى الصورة الاولى محسوس مشاهد للعامة والخاصة واما فى الصورة الثانية فمحسوس للخاصة فقط فاعرف { وتلك الامثال } اشارة الى هذا المثل والى امثاله فى مواضع من التنزيل اى هذا القول الغريب فى عظمة القرءآن ودناءة حال الانسان وبيان صفتهما العجيبة وسائر الامثال الواقعة فى القرءآن فان لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر ثم يستعار لكل امر غريب وصفة عجيبة الشان تشبيها له بالقول السائر فى الغرابة لانه لايخلو عن غرابة { نضربها للناس } بيان ميكنيم مرانسانرا قد جاء فى سورة الزمر ولقد ضربنا للناس فى هذا القرءآن من كل مثال بالاخبار على المضى مع انها مكية وقال هنا نضربها بالاستقبال مع ان السورة مدنية فلعل الاول من قبيل عدما سيحقق مما حقق لتحققه بلا خلاف والثانى من قبيل التعبير عن الماضى بالمضارع لاحضار الحال او لارادة الاستمرار على الاحوال بمعنى ان شأننا ان نضرب الامثال للناس { لعلهم يتفكرون } اى لمصلحة التفكر ومنفعة التذكر، يعنى شايد كه انديشه كنند دران وبهره بردارند ازان بايمان، ولا يقتضى كون الفعل معللا بالحكمة والمصلحة ان يكون معللا بالغرض حتى تكون افعاله تعالى معلة بالاغراض اذا الغرض من الاحتياج والحكمة اللطف بالمحتاج وعن بعض العلماء انه قال من عجز عن ثمانية فعليه بثمانية اخرى لينال فضلها من أراد فضل صلاة الليل وهو نائم فلا يعص بالنهار ومن أراد فضل صيام التطوع وهو مفطر فليحفظ لسانه عما لايعنيه ومن أراد فضل العلماء فعليه بالتفكر ومن أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد فى بيته فليجاهد الشيطان ومن أراد فضل الصدقة وهو عاجز فليعلم الناس ماسمع من العلم ومن أراد فضل الحج وهو عاجز فليلتزم الجمعة ومن اراد فضل العابدين فليصلح بين الناس ولا يوقع العداوة ومن أراد فضل الابدال فليضع يده على صدره ويرضى لاخيه مايرضى لنفسه قال عليه السلام "اعطوأ اعينكم حظها من العبادة" قالوا ماحظها من العبادة يارسول الله قال "النظر فى المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه" (وفى المثنوى)

خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى بهر محجوبان مثال معنوى
كه ز قرآن كرنه بيند غير قال اين عجب نبودزاصحاب ضلال
كز شعاع آفتاب برز نور غير كرمى مى نيابد جشم كور

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ركعتان مقتصدتان فى تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب وعن الحسن البصرىرحمه الله من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن نظره عبرة فهو لهو وعن أبى سليمانرحمه الله الفكرة فى الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لاهل الولاية والفكرة فى الآخرة تورث الحكمة وتحيى القلب وكثيرا ماينشد سفيان بن عيينة ويقول

اذا المرء كانت له فكرة ففى كل شىء له عبرة

والتفكر اما أن يكون فى الخالق او الخلق والاول اما فى ذاته او فى صفاته او فى افعاله اما فى ذاته فممنوع لانه لايعرف الله الا الله الا أن يكون التفكر فى ذاته باعتبار عظمته وجلاله وكبريائه من حيث وجوب الوجود ودوام البقاء وامتناع الامكان والفناء والصمدية التى هى الاستغناء عن الكل واما فى صفاته فهو فيها باعتبار كمالها بحيث يحيط علمه بجميع المعلومات وقدرته بجميع الاشياء وارادته بجميع الكائنات وسمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات ونحو ذلك واما فى افعاله فهو فيها بحسب شمولها وكثرتها ومتانتها ووقوعها على الوجه الاتم كل يوم هو فى شأن والثانى اما أن يكون فيما كان من العلويات والسفليات اوفيما سيكون من اهوال القيامة واحوال الآخرة الى الآباد قال بعض العارفين الفكر اما فى آيات الله وصنائعه فيتولد منه المعرفة واما فى عظمة الله وقدرته فيتولد منه الحياة واما فى نعم الله ومنته فيتولد منه المحبة واما فى وعد الله بالثواب فيتولد منه الرغبة فى الطاعة وما فى وعيد الله بالعقاب فيتولد منه الرهبة من المعصية واما فى تفريط العبد فى جنب الله فيتولد منه الحياء والندامة والتوبة ومن مهمات التفكر أن يتفكر المتفكر فى امر نفسه من مبدأه ومعاشه ومن اطاعته لربه ببدنه ولسانه وفؤاده ولو صرف عمره فى فكر نفسه نظرا الى اول أمره واوسطه وآخره لما اتم وفى الآية اشارة الى ان الله لو تجلى بصورة القرءآن الجمعى المشتمل على حروف الموجودات العلوية وكلمات المخلوقات السفلية على جبل الوجود الانسانى لتلاشى من سطوة التجلى والى ان العارف ينبغى أن يذوب تحت الخطاب الالهى من شدة التأثير والى ان هذه الامة حملوا بهمتهم مالم تحمله الجبال بقوتها كما قال تعالى { فأبين أن يحلمنها وأشفقن منها وحملها الانسان
}