التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر } الخطاب للنبى عليه السلام او لكل احد وتجد اما متعد الى اثنين فقوله تعالى { يوادون من حاد الله ورسوله } مفعوله الثانى او الى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهى حالة تكون فى القلب اولا ويظهر آثارها فى القالب ثانيا والمراد بمن حاد الله ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفى الوجدان نفى الموادة على معنى انه لاينبغى أن يتحقق ذلك حقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وان جد فى طلبه كل أحد وجعل مالا ينبغى وجوده غير موجود لشركته فى فقد الخير ويجوز أن يقال لاتجد قوما كاملى الايمان على مايدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال فى كشف الاسرار أخبر أن الايمان يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من حكمهم وعن سهل بن عبدالله التسترى قدس سره من صحح ايمانه واخلص توحيده فانه لايأنس الى مبتدع ولايجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ولايظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب الى مبتدع لطلب عز فى الدنيا او عرض منها اذله الله بتلك العزة وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك الى مبتدع نزع الله نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب واما المعاملة للمبايعة العادية او للمجاورة او للمرافقة بحيث لاتضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة فى مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لايجتمع الايمان مع ودادة اعدآء الله فان قيل اجتمعت الامة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب ان الموادة المحرمة هى ارادة منافعه دينا ودنيا مع كونه كافرا وما سوى ذلك جائز (روى) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقول "اللهم لاتجعل لفاجر عندى نعمة فانى وجدت فيما أوحى الى لاتجد قوما" الخ فعلم منه ان الفساق واهل الظلم داخلون فيمن حادالله ورسوله اى خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائلون بنفى كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته يعنى هم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصى بتقدير الله وسموا بذلك لمبالغتهم فى نفيه وكثرة مدافعتهم اياه وقيل لاثباتهم للعبد قدرة الايجاد وليس بشىء لان المناسب حينئذ القدرى بضم القاف { ولو كانوا } اى من حاد الله ورسوله وبالفارسية واكرجه باشند از مخالفان خدا ورسول، والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فيما قبله باعتبار لفظها { آباءهم } اى آباء الموادين { او ابناءهم } قدم الاقدم حرمة ثم الاحكم محبة { او اخوانهم } نسبا { او عشيرتهم } العشيرة اهل الرجل الذين يتكثر بهم اى يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك ان العشرة هو العدد الكامل فصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير والمعاشر قريبا او معارفا وفى القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه الادنون او قبيلته انتهى.
يعنى ان المؤمنين المتصلين فى الدين لايوالون هؤلاء الاقرباء بعد ان كانوا محادين الله ورسوله فكيف بغيرهم فان قضية الايمان بالله ان يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى ان أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر و
"ان عبدالله بن عبدالله ابن ابى بن سلول جلس الى جنب رسول الله عليه السلام فشرب رسول الله الماء فقال عبدالله رضى الله عنه يارسول الله ابق فضلة من شرابك قال فما تصنع بها فقال اسقيها أبى لعل الله يطهر قلبه ففعل فآتهاها فقال ماهذا قال فضلة من شرا ب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال له أبوه هلا جئتنى ببول امك فرجع الى النبى عليه السلام فقال يارسول الله ائذن لى فى قتل أبى فقال عليه السلام بل ترفق به وتحسن اليه" وان أبا قحافة قبل ان اسلم سب النبى عليه السلام فصكه أبو بكر رضى الله عنه صكة اى ضربه ضربة سقط منها فقال عليه عليه السلام "او فعلته" قال نعم قال "فلا تعد اليه" قال والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته قال فى التكملة فى هذه الرواية نظر لان هذه السورة مدينة أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى.
يقول الفقير لعله على قول من قال ان العشر الاولى من هذه السورة مدنى والباقى مكى وان أبا بكر رضى الله عنه دعا ابنه عبدالرحمن الى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال يارسول الله دعنى اكن فى الرعلة الاولى وهى القطعة من الفرسان فقال عليه السلام
"متعنا بنفسك ياأبا بكر أما تعلم انك بمنزلة سمعى وبصرى" يقول الفقير يعلم منه فضل أبى بكر على على رضى الله عنهما فان هذا فوق قوله عليه السلاملعلى "أنت منى بمنزلة هرون من موسى" فتفطن لذلك وان مصعبا رضى الله عنه قتل أخاه عبدي بن عمير بأحد وان عمر رضى الله عنه قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وان عليا وحمزة وعبيد بن الحارث رضى الله عنهم قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابنى ربيعة والوليد بن عتبة وكانوا من عشيرتهم وقرابتهم وكل ذلك من باب الغيرة والصلابة كما قال عليه السلام "الغيرة من الايمان والمنية من النفاق ومن لاغيرة له لادين له" (وروى) عن الثورى انه قال كانوا يرون انها نزلت فيمن يصحب السلطان ففيه زجر عن مصاحبتهم وعن عبدالعزيز بن أبى داؤد انه لقيه المنصور فى الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها وفى الحديث "من مشى خلف ظالم سبع خطوات فقد أجرم" وقد قال الله تعالى { انا من المجرمين منتقمون } { اولئك } اشارة الى الذين لا يوادونهم وان كانوا أقرب الناس اليهم وأمسهم رحما { كتب } الله سبحانه { فى قلوبهم الايمان } اى اثبته فيها وهو الايمان الوهبى ا لذى وهبه الله لهم قبل خلق الاصلاب والارحام اذ لا يزال بحال ابدا كالايمان المستعار وفيه دلالة على خروج العمل من مفهوم الايمان فان الجزء الثابت فى القلب ثابت فيه قطعا ولا شىء من اعمال الجوارح يثبت فيه وهو حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الايمان والكفر يستقل بعملهما العبد { وأيدهم } اى قواهم واصله قوى يدهم { روح منه } اى من عندالله فمن لابتدآء الغاية وهو نور القرءآن او النصر على العدو او نور القلب وهو بادراك حقيقة لحال والرغبة فى الارتقاء الى المدارج الرفيعة الروحانية والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية وكل ذلك سمى روحا لكونه سببا للحياة قال سهلرحمه الله حياة الروح بالتأييد وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور { ويدخلهم } فى الآخرة { جنات تجرى من تحتها } اى من تحت اشجارها او قصورها { الانهار } الاربعة يعنى جويها ازاب وشير وخمر وعسل { خالدين فيها } ابد الآباد لايقرب منهم زوال ولا موت ولا مرض ولا فقر كما قال عليه السلام "ينادى مناد آن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وآن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وآن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وآن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا" { رضى الله عنهم } خشنود شد خداى ازايشان بطاعتى كه دردنيا كردند، وفى الارشاد استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم من آثار رحمته العاجلة والآجلة والرضى ترك السخط { ورضوا عنه } وخشنود شدند ايشان ازخداى بكرامتى كه وعده كرده ايشانرا درعقبى، وفى الارشاد بيان لابتهاجهم بما اوتوه عاجلا وآجلا { اولئك حزب الله } تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عز وجل اى جنده وانصار دينه قال سهل رضى الله عنه الحزب الشيعة وهم الابدال وارفع منهم الصديقون { الا ان حزب الله هم المفلحون } الناجون من المكروه والفائزون بالمحبوب دون غيرهم المقابلين لهم من حزب الشيطان المخصوصين بالخذلان والخسران وهو بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة النشأتين وخير الدارين وقال بعض أهل الاشارة حزب الله أهل معرفته ومحبته وأهل توحيده هم الفائزون بنصرة الله من مهالك القهريات ومصارع الامتحانات وجدوا الله بالله اذا ظهر واحد منهم ينهزم المبطلون ويتفرق المغالطون لان الله تعالى أسبل على وجوهم نور هيبته وأعطى لهم اعلام عظمته يفر منهم الاسود ويخضع لهم الشامخات كلأهم الله بحسن رعايته ونورهم بسنا قدرته ورفع لهم اذكارهم فى العالمين وعظم اقدارهم وكتم اسرادهم، واما ثعلبى ازجرجانى كه اوازمشايخ خود شنيده كه داود عليه السلام از حق تعالى برسيد كه حزب توكيست خطاب آمد از حضرت عمزت كه الغاضة ابصارهم والسليمة اكفهم والنقية قلوبهم اولئك حزبى وحول عرشى هركه جشم اواز محارم فروبسته بود ودست او از آزار خلق واخذ حرام كوناه باشد ودل حود ازما سوى باكيزه كرده از جمله حزب حضرت الله است ودرين باب كفته اند

ازهرجه نار واست بروديدها ببند وزهر جه نابسند بود دست بازدار
لوح دل ازغبار تعلق بشوى باك تابا شدت بحلقه اهل قلوب بار

وفى الآية اشارة الى ابوة الروح بالنسبة الى السر والخفى والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب والى نبوة الكل الى الروح والى اخوة السر مع النفس واخوة القلب مع الهوى وعشيرة صفاتهما مع الخفى لكون الكل من واد واحد واصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطانية بالتوجه الكلى الروحى والسرى والقلبى والخلفى الى الحضرة الالهية فهم الذين كتب الله فى ألواح قلوبهم وصفاح اسرارهم الايمان الحقيقى الشهودى العيانى وأيدهم بروح الشهود الكلى الجمعى الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الاسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار مياه التجليات الذاتية والصفاتية والاسمائية المشتملة على العلوم والمعارف والحقائق والحكم على الدوام والاستمرار رضى الله عنهم بفنائهم عن الناسوتية ورضوا عنه ببقائهم بلا هوتيته اولئك حزب الله اى مظاهر ذاته وصفاته واسمائه ألا ان حزب الله هم المفلحون لقيامهم بقيومية الحق تعالى، واعلم انه كائن الدنيا والآخرة يومان متعاقبان متصلاقان فمن ذلك يعبر الدنيا باليوم وعن الآخرة بغد ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فانكم اليوم فى دار العمل والاحساب وأنتم غدا فى دار الآخرة ولاعمل ونعيم الدنيا منقطع دون نعيم الآخرة ثم ان هذا شأن الابرار واما المقربون فهم أهل الله لا أهل الدارين ونعيمهم ماذكر من التجليات فهم حزب الله حقيقة لكمال نصرتهم فى الدين ظاهرا او باطنا
تمت سورة المجادلة بعون الله تعالى فى اواخر جمادى الاولى من شهور سنة خمس عشرة ومائة والف