{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً }، فيه إشارة إلى أنه تعرض في سماء القلوب تارة عارض يعرض { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } [الأحقاف: 24]، فيمطر مطر الرحمة يحي به الله أرض البشرية، فينبت منها الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة، وتارة يعرض عارض { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } [الأحقاف: 24] بسوء أخلاقكم وفساد أعمالكم، { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأحقاف: 24].
{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } [الأحقاف: 25]، تدمر كل شيء من الأخلاق الحميدة { بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } [الأحقاف: 25]؛ أي: أشخاصهم خالية عن الأخلاق والآداب والأعمال الصالحة، وقلوبهم فارغة من الصدق والإخلاص والرضاء والتسليم، { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الأحقاف: 25]، المعرضين عن الحق المقبلين على الباطل.
ثم أخبر عن تبيين أهل التمكن بقوله تعالى: { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً } [الأحقاف: 26]، يشير إلى أن هذه الآلات أسباب تحصيل التوحيد، ولكن لمن يشأ الله به خيراً، { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ } [الأحقاف: 26]؛ أي: من التوحيد؛ إذ لم يشأ الله بهم خيراً ما جحدوا وما استهزءوا.