التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ
٢٧
-الملك

روح المعاني

والفاء في قوله تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهُ } فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترتيب الشرطية عليهما، كأنه قيل وقد أتاهم الموعود فرأوه فلما رأوه الخ وهذا / نظير قوله تعالى { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } [النمل: 40] إلا أن المقدر هناك أمر واقع مرتب على ما قبله بالفاء وهٰهنا أمر منزل منزلة الواقع وارد على طريقة الاستئناف. وقوله تعالى: { زُلْفَةً } حال من مفعول { رَأَوْهُ } اما بتقدير المضاف أي ذا زلفة وقرب أو على أنه مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفاً أو على أنه مصدر نعت به مبالغة أو ظرف أي رأوه في مكان ذي زلفة. وفسر بعضهم الزلفة بالقريب والأمر عليه ظاهر وكذا على ما روي عن ابن زيد من تفسيره بالحاضر. وقال الراغب الزلفة المنزلة والحظوة وما في الآية قيل معناه زلفة المؤمنين وقيل زلفة لهم واستعمل الزلفة في منزلة العذاب كما استعملت البشارة ونحوها من الألفاظ انتهى ولا زلفة في كلا القولين.

{ سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ساءتها رؤيته بأن غشيتها بسببها الكآبة ورهقها القتر والذلة. ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به. وأشم أبو جعفر والحسن وأبو رجاء وشيبة وابن وثاب وطلحة وابن عامر ونافع والكسائي كسر سين { سيئت } الضم.

{ وَقِيلَ } توبيخاً لهم وتشديداً لعذابهم { هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه إنكاراً واستهزاء على أنه تفتعلون من الدعاء والباء صلة الفعل. وقيل هو من الدعوى أي تدعون أن لا بعث ولا حشر فالباء سببية أو للملابسة باعتبار الذكر وأيد التفسير الأول بقراءة أبـي رجاء والضحاك والحسن وقتادة وابن يسار وعبد الله بن مسلم وسلام ويعقوب (تدعون) بسكون الدال وهي قراءة ابن أبـي عبلة وأبـي زيد وعصمة عن أبـي بكر والأصمعي عن نافع. وذكر الزمخشري في سورة المعارج أن (يدعون) مخففاً من قولهم دعا بكذا إذا استدعاه، وعن الفراء أنه من دعوت أدعو والمعنى هذا الذي كنتم به تستعجلون وتدعون الله تعالى بتعجيله يعني قولهم { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال: 32] الخ.

وروي عن مجاهد أن الموعود عذاب يوم بدر وهو بعيد. وأما ما قيل من أن الموعود الخسف والحاصب وقد وقعا لأن المراد بالخسف الذل كما في قوله:

ولا يقيم على خسف يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد

وبالحاصب الحصى وقد رمى صلى الله عليه وسلم به في وجوههم كما في الخبر المشهور، أو لم يقعا بناء على ما عرف أولاً من المراد بهما، ولا يضر ذلك إذ تخلف الوعيد لا ضير فيه فليس بشيء كما لا يخفى. وكان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك فقال سبحانه له عليه الصلاة والسلام.