التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً
٢٩
-الكهف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } المعنى: وقل لهم يا محمَّد هذا القرآن هو الحقُّ، * ت *: وقد ذم اللَّه تعالى الغافلين عَنْ ذكره والمُعْرِضين عن آياته في غيرما آية من كتابه، فيجبُ الحذر مما وقَع فيه أولئك، ولقد أحسن العارفُ في قوله: غَفْلَةُ ساعةٍ عَنْ ربِّكَ مُكَدِّرة لمرآة قلبكَ، فكيف بَغْفلتكَ جميعَ عُمُرك. وقد روى أبو هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُروا اللَّهَ فِيه ولَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهمْ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، فإنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وإِنْ شَاءَ غَفَر لَهُمْ" رواه أبو داود والترمذيُّ والنسائي والحاكم وابنُ حِبَّان في «صحيحهما» وهذا لفظ الترمذيِّ، وقال: حديثٌ حَسَن، وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرط مسلم، «والتِّرَةُ» - بكسر التاء المُثَنَّاة من فوقُ وتخفيفِ الراء - النقْصُ، وقيل: التبعة، ولفظ ابن حِبَّان: "إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، وإِنْ دَخَلَوا الجَنَّةَ" انتهى من «السلاح».

وقوله: { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن... } الآية: توعُّد وتهديد، أي: فليختر كلُّ امرىءٍ لنفسه ما يجدُه غداً عند اللَّه عزَّ وجلَّ، وقال الداووديُّ، عن ابن عباس: { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } يقول: من شاء اللَّه له الإِيمان، آمن، ومن شاء له الكفر، كفر، هو كقوله: { { وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [التكوير:29] وقال غيره: هو كقوله: { { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت:40] بمعنى الوعيد، والقولان معاً صحيحان. انتهى و{ أَعْتَدْنَا } مأخوذٌ من العَتَاد، وهو الشيءُ المُعَدُّ الحاضر، «والسُّرادق» هو الجدار المحيطُ كالحُجْرة التي تدورُ وتحيطُ بالفسْطَاط، قد تكون من نَوْع الفُسْطَاط أديماً أو ثوباً أو نحوه، وقال الزَّجَّاج: «السُّرَادِق»: كل ما أحاط بشيء، واختلف في سُرَادِقِ النار، فقال ابن عباس: سرادقها حائطٌ من نارٍ، وقالت فرقة: سرادقها دُخَانٌ يحيطُ بالكُفَّار، وهو قوله تعالى: { { ٱنطَلِقُواْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَـٰثِ شُعَبٍ } [المرسلات:30] وقيل غير هذا، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من طريق أبي سعيد الخدريِّ؛ أنه قَالَ "سُرَادِقُ النَّارِ أربَعَةُ جُدُر كِثَفُ عَرْض كُلِّ جَدارٍ مَسِيرَةُ أرْبَعيِنَ سَنَةً" "والمهل قال أبو سعيد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: هو درديُّ الزيتِ، إِذا انتهى حَرُّه" وقال أبو سعيد وغيره: هو كلُّ ما أذيَب من ذهبٍ أو فضة، وقالت فرقةٌ: «المُهْل» هو الصديدُ والدمُ إِذا اختلطا، ومنه قول أبي بكر رضي اللَّه عنه في الكَفَن: إِنما هو للمهلة، يريدُ لما يسيلُ من المَيِّت في قبره، ويقوى هذا بقوله سبحانه: { { وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ } [ابراهيم:16] و«المُرتفق»: الشيء الذي يطلب رفقه.