التفاسير

< >
عرض

لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢٩
-الحديد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لِّئَلا يَعْلَمَ } بحذف الهمزة وادغام النون في اللام وبقلب الهمزة ياء ونحن نقرأها بالتسهيل قرىء لئلا بفتح اللام الاولى على الاصل في ما كان على حرف وهي قراءة الحسن لا زائدة للتوكيد أي ليعلم { أَهْلُ الكِتَابِ } وقرأ ابن عباس والجذري: ليعلم وروى ابراهيم التميمي عن ابن عباس: كي يعلم وروي عن حطان الرقاشي: لان يعلم وقرىء لان يعلم بادغام النون في الياء وقرىء ليعلم بقلب الهمزة ياء وادغام النون في الباء وقرىء لكي يعلم وهذه القراءات دلائل على زيادة لا واللام متعلقة بمحذوف أي اعلمكم بذلك ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا.
{ أَلا } مخففة { يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللهِ } من الكلفين والنور والمغفرة لانهم لم يؤمنوا برسول الله فلم ينفعهم ايمانهم عن قبله أو لايتمكنون من نيل شيء منه فضلا عن ان يتصرفوا في اعظمه وهو النبوة فيخصونها بمن ارادوا ويدل له قوله { وَأَنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ } في حكمه { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } كمحمد { وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ } وقرىء ان لا يقدروا بالنصب وقيل لا غير زائدة أي لئلا يعتقد أهل الكتاب انه لا يقدر النبي والمؤمنون على شيء من فضل الله فيكون قوله وان الفضل عطفاً على ان لا يعلم.
وروي انه لما نزل الوعد المذكور للمؤمنين حسدهم أهل الكتاب وكانوا يعظمون انفسهم ودينهم ويزعمون انهم احباء الله وأهل رضوانه فنزل لئلا يعلم أهل...الخ وروي انه صلى الله عليه وسلم بعث جعفر رضي الله عنه في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعونه فقدم جعفر عليه فدعاه فاستجاب له فقال ناس ممن آمن من أهل الكتاب وهم أربعون رجلا أيأذن لنا في الوفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم فقدموا مع جعفر وقد تهيأ لوقعة أحد فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا وقدموا بأموال لهم فواسوا بها المسلمين فأنزل الله { الذين آتيانهم الكتاب } إلى { ينفقون } فلما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله
{ يؤتون أجرهم مرتين } فخروا على المسلمين وقالوا: أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم فما فضلكم علينا فشق ذلك على المسلمين فنزل لئلا يعلم إلى الخ وعن بعض يحتمل أن يكون الأجر الواحد أكثر من الأجرين.
ولا حاجة إلى هذا لان من آمن بنبينا فهو من امته فله اجر عمله قبل واجر عمله بعد فلا يستوي بغيره إلا من عمر كعمره وعمل كعمله ومن لم يؤمن فجزاؤه جهنم ولو عبد عبادة الملائكة وقيل: قالت اليهود: يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الايدي والارجل ولما خرج من العرب كفروا به فنزل لئلا يعلم الخ وبعد فقد ظهر أن عمل المؤمنين من أهل الكتاب قيل ان يؤمنوا بنبينا ناقص ففي الحديث رواه نافع
"إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى قبلكم كرجل استأجر عمالا فقال: من يعمل لي الى نصف النهار إلى قيراط فعملت اليهود على ذلك وقال: من يعمل لي من نصف النهار الى العصر على قيراط فعملت النصارى على ذلك وقال: من يعمل لي من العصر الى المغرب على قيراطين إلا وأنتم أصحاب القيراطين الا فلكم الأجر مرتين فغضب اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال: فهل ظلمتم من حقكم شيئا قالوا: لا قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء" .
ولليهود ست ساعات وللنصارى اربع ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم ساعتان فذلك اثنتا عشرة ساعة في النهار وعن نافع عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم "إنما آجالكم في آجال من مضى قبلكم كما بين صلاة العصر إلى ان تغيب الشمس" وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنما بقي من زمانكم فيما مضى كما بقي من يومكم فيما مضى منه وقد كانت الشمس على سعف النخل وشرف المسجد" قال ابن عمر: "وقفت عشية عرفة مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا تدلك الشمس للغروب واصفرت فقال: انما بقي من الدنيا فيما مضى كما بقي من الشمس في يومنا" وفي رواية الحديث السابق انه قاله على المنبر وان اليهود استؤجروا للعمل فخدموا الى نصف النهار فعجزوا فاعطوا قيراطا وعمل النصارى من النصف للعصر فعجزوا فاعطوا قيراطا وعملنا الى الغروب من العصر فاعطينا قيراطين...الخ.
وعن ابي موسى عنه صلى الله عليه وسلم:
"مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له الى الليل فعملوا الى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا الى اجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل فقال لهم اعملوا بقية يومكم وخذوا اجركم كاملا فابوا وتركوا واستأجروا آخرين بعدهم فقالوا لهم: اعملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطنا لهم من الاجر فعملوا الى صلاة العصر فقالوا: ما عملنا باطل ولكم الأجر الذي جعلتم لنا فقالوا أكملوا بقية يومكم فإنما بقي من النهار شيء يسير فأبوا فاستأجروا قوما بقية اليوم واستكملوا أجر الفريقين" .
اللهم بحق هذه السورة ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم اخز النصارى واهنهم واكسر شوكتهم وغلب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.