{ ٱلْحَمْدُ } المحيط، المستوعب لجميع المحامد الناشئة من ألسنة عموم ما لمع عليه برق الوجود، ثابت { للَّهِ } المستجمع لجميع الأوصاف والأسماء المربية لعموم الأشياء الكائنة غيباً وشهادةً { ٱلَّذِي } ثبت { لَهُ } ملكاً وتصرفاً وإظهاراً وإعداماً وإعادةً جميع { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: علويات عالم الأسماء والصفات والأعيان الثابتة في الأزل { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي: سفليات عالم الطبيعة المنعكسة من العلويات وما بينهما من الكوائن والفواسد التي برزت بنور الوجود على مقتضى الوجود، من مكمن العدم إلى فضاء الظهور { وَ } بعدما ثبت أن الكل منه بدأ وإليه يعود في الانتهاء، ثبت { لَهُ ٱلْحَمْدُ } والثناء الصادر من عموم ألسنة المظاهر، المتوجه نحو المظهر الموجد طوعاً لا غيره من الوسائل والأسباب العادية؛ إذ منتهى الكل إليه { فِي ٱلآخِرَةِ } كما أن مبدأه منه في الأولى، فله الحمد في الأولى والأخرى { وَ } كيف لا { هُوَ ٱلْحَكِيمُ } المتقن في أفعاله بالاستقلال بلا شريك وظهير { ٱلْخَبِيرُ } [سبأ: 1] عن كيفية اتحاد المظاهر وإعدامها، أولاًَ وآخراً، أزلاً وأبداً.
إذا هو سبحانه بمقتضى علمه الحضوري { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ } أي: ظلمة الطبيعة القابلة لفيضان الاستعدادات، الفائضة من المبدأ الفياض { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من المعارف والحقائق الكامنة المختفية فيها على مقتضى تربية مربيها ومظهرا { وَ } كذا يعلم بعلمه الحضوري { مَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: عالم الأسماء إلى أرض المظاهر والمسميات من الفيوضات والفتوحات، الشاملة لأنواع الكمالات { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } متصاعدة من المكاشفات والمشاهدات الحاصلة من تلك الفتوحات الهابطة { وَ } بالجملة: { هُوَ ٱلرَّحِيمُ } لعباده بإفاضة أنواع الكرامات بمقتضى رحمته الواسعة { ٱلْغَفُورُ } [سبأ: 2] لذنوب أنانياتهم وتعيناتهم الباطلة بعدما رجعوا إليه وتوجهوا نحوه تائبين آيبين مخلصين.
رزقنا الله الوصول إلى محل القبول.
{ وَ } بعدما أخبر سبحانه بقيام الساعة في كتبه وعلى ألسنة رسله، سيما في كتابك يا أكمل الرسل وعلى لسانك { قَالَ } الجاحدون المنكرون { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالحق، وستروه بالباطل وكذبوا الرسل وعاندوا معهم يا أكمل الرسل، مستهزئين: { لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } الموعدة على لسانك أيها المدعي مع أنك أدعيت الصدق في جميع أخبارك وأقوالك، فكيف لا تأتي الساعة التي ادعيت إتيانها، وأخبرت بها؟! لعلك كذبت وافتريت إلى ربك { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما استهزءوا معك، ونسبوك إلى الكذب والافتراء، وأنكروا بإتيان الساعة: { بَلَىٰ } تأتي الساعة الموعودة عليَّ وعلى حميع الرسل والأنبياء، لاشك في إتيانها وقيامها { وَ } حق { رَبِّي } القادر المقتدر على إنجاز جميع ما وعد بلا خلف { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } الساعة الموعودة من عندهح إذ وعده سبحانه مقضي حتماً جزماً بلا شائبة شك وطريان غفلة عليه وسهو عنه، وكيف يطرأ عليه سبحانه سهو وذهول، وهو { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ } بالعلم الحضوري، فالمغيبات حاضرة عنده غير مغيبة عنه؛ إذ { لاَ يَعْزُبُ } ولا يغيب { عَنْهُ } سبحانه وعن حيطة حضرة علمه { مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } ومقدار خردلة لا من الكوائن { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: العلويات { وَلاَ } من الكوائن { فِي ٱلأَرْضِ } أي: السفليات، ولا من المكونات الحادثة بينهما { وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ } المقدار { وَلاَ أَكْبَرُ } منه { إِلاَّ } وهو مثبت { فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [سبأ: 3] هو حضرة علمه ولوح قضائه.
إنما أثبت وأحضر الكل في لوح قضائه { لِّيَجْزِيَ } سبحانه المؤمنين { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيده، واعترفوا بتصديق رسله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة إليه سبحانه، المقبولة عنده، خير الجزاء ويعطيهم أحسن المواهب والعطاء { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عنده المستحقون لأنواع الكرامات { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لما تقدم من ذنوبهم تفضلاً عليهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [سبا: 4] صوري في الجنة، ومعنوي عند وصولهم إلى شرف لقائه، بلا كيف وأين ووجهة وجهة ومكان وزمان.