التفاسير

< >
عرض

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
-الجمعة

روح المعاني

{ وَءاخَرِينَ } جمع آخر بمعنى الغير. وهو عطف على { { ٱلأُمّيّينَ } [الجمعة: 2] أي وفي آخرين { مِنْهُمْ } أي من الأميين. و ـ من ـ للتبيين { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون، وهم الذين جاءوا بعد / الصحابة إلى يوم الدين. وجوز أن يكون عطفاً على المنصوب في { { وَيُعَلّمُهُمُ } [الجمعة: 2] أي ويعلمهم ويعلم آخرين فإن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستنداً إلى أوله فكأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي تولى كل ما وجد منه، واستظهر الأول. والمذكور في الآية قومه صلى الله عليه وسلم وجنس الذين بعث فيهم، وأما المبعوث إليهم فلم يتعرض له فيها نفياً أو إثباتاً، وقد تعرض لإثباته في آيات أخر، وخصوص القوم لا ينافي عموم ذلك فلا إشكال في تخصيص الآخرين بكونهم من الأميين أي العرب في النسب.

وقيل: المراد من الأميين في الأمية فيشمل العجم، وبهم فسره مجاهد ـ كما رواه عنه ابن جرير وغيره ـ وتعقب بأن العجم لم يكونوا أميين. وقيل: المراد { مِنْهُمْ } في كونهم منسوبين إلى أمة مطلقاً لا في كونهم لا يقرأون ولا يكتبون، وهو كما ترى إلا أنه لا يشكل عليه ـ وكذا على ما قبله ـ ما أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وجماعة عن أبـي هريرة قال: "كنا جلوساً عند النبـي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } قال له رجل: يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وقال: والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء" فإنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أنهم فارس، ومن المعلوم أنهم ليسوا من الأميين المراد بهم العرب في النسب.

وقال بعض أهل العلم: المراد بالأميين مقابل أهل الكتاب لعدم اعتناء أكثرهم بالقراءة والكتابة لعدم كتاب لهم سماوي تدعوهم معرفته إلى ذلك فيشمل الفرس إذ لا كتاب لهم كالعرب، وعلى ذلك يخرج ما أشار إليه الحديث من تفسير الآخرين بالفرس وهو مع ذلك من باب التمثيل، والاقتصار على بعض الأنواع بناءاً على أن بعض الأمم لا كتاب لهم أيضاً، وربما يقال: إن ـ من ـ في { مِنْهُمْ } اسمية بمعنى بعض مبتدأ كما قيل في قوله تعالى: { { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } [البقرة: 8] وضمير الجمع ـ لآخرين ـ وجملة { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } خبر فيشمل { ءاخَرِينَ } طوائف الناس الذين يلحقون إلى يوم القيامة من العرب والروم والعجم وغيرهم؛ وبذلك فسره الضحاك وابن حيان ومجاهد في رواية، ويكون الحديث من باب الاقتصار والتمثيل كقول ابن عمر: هم أهل اليمن، وابن جبير هم الروم والعجم فتدبر.

وزعم بعضهم أن المراد بقوله تعالى: { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أنهم لم يلحقوا بهم في الفضل لفضل الصحابة على التابعين ومن بعدهم. وفيه أن { لَّمّاً } منفيها مستمر إلى الحال ويتوقع وقوعه بعده فتفيد أن لحوق التابعين ومن بعدهم في الفضل للصحابة متوقع الوقوع مع أنه ليس كذلك، وقد صرحوا أنه لا يبلغ تابعي وإن جل قدراً في الفضل مرتبة صحابـي وإن لم يكن من كبار الصحابة. وقد سئل عبد الله بن المبارك عن معاوية وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ فقال: الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية أفضل عند الله من مائة عمر بن عبد العزيز فقد صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] الخ فقال معاوية: آمين. واستدل على عدم اللحوق بما صح من قوله عليه الصلاة والسلام فيهم: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه" على القول بأن الخطاب لسائر الأمة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره" فمبالغة في خيريتهم كقول القائل في ثوب حسن البطانة: لا يدرى ظهارته خير أم بطانته.