التفاسير

< >
عرض

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٠
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ فأقم وجهك للدين } الاقامة [برياى كردن وراست كردن] كما فى تاج المصادر والوجه الجارحة المخصوصة وقد يعبر به عن الذات كما فى قوله { { ومن يسلم وجهه } والدين فى الاصل الطاعة والجزاء واستعير للشريعة. والفرق بينه وبين الملة اعتبارى فان الشريعة من حيث انها يطاع لها وينقاد دين ومن حيث انها تملى وتكتب ملة. والاملال بمعنى الاملاء وهو ان يقول فيكتب آخر عنه واقامة الوجه للدين تمثيل لاقباله على الدين واستقامته واهتمامه بترتيب اسبابه فان من اهتم بشئ محسوس بالبصر عقد عليه طرفه ومد اليه نظره وقوّم له وجهه مقبلا عليه. والمعنى فاذا كان حال المشركين اتباع الهوى والاعراض عن الهدى فقوّم وجهك يا محمد للدين الحق الذي هو دين الاسلام وعدله غير ملتفت يمينا وشمالا: وبالفارسية [يس راست دار اى محمد روى خود دين را] { حنيفا } اى حال كونك مائلا اليه عن سائر الاديان مستقيما عليه لا ترجع له عنه الى غيره ويجوز ان يكون حالا من الدين.
قال فى القاموس الحنيف الصحيح الميل الى الاسلام الثابت عليه.

وفى المفردات الحنف ميل عن الضلال الى الاستقامة وتحنف فلان تحرى طريق الاستقامة وسمت العرب كل من اختتن او حج حنيفا تنبيها على انه على دين ابراهيم عليه السلام.
ومن بلاغات الزمخشرى الجودو الحلم حاتمى واحنفى. والدين والعلم حنيفى وحنفى اى الجود منسوب الى حاتم الطائى والحلم الى احنف بن قيس كما ان الدين منسوب الى ابراهيم الحنيف والعلم الى ابى حنيفةرحمه الله .
وقال بعضهم فى الآية الوجه ما يتوجه اليه وعمل الانسان ودينه مما يتوجه الانسان اليه لتسديده واقامته. فالمعنى اخلص دينك وسدد عملك مائلا اليه عن جميع الاديان المحرفة المنسوخة { فطرت الله } الفطرة الخلقة وزنا ومعنى وقولهم صدقة الفطرة اى صدقة انسان مفطور اى مخلوق فيؤول الى قولهم زكاة الرأس والمراد بالفطرة ههنا القابلية للتوحيد ودينّ الاسلام من غير اباء عنه وانكار له.
قال الراغب فطرة الله ما فطر اى ابدع وركز فى الناس من قوتهم على معرفة الايمان وهو المشار اليه بقوله تعالى
{ { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } وانتصابها على الاغراء اى الزموا فطرة الله والخطاب للكل كما يفصح عنه قوله منيبين اليه والافراد فى اقم لما ان الرسول امام الامة فامره مستتبع لامرهم والمراد بلزومها الجريان على موجبها وعدم الاخلال به باتباع الهوى وتسويل الشيطان { التى فطر الناس عليها } صفة لفطرة الله مؤكدة لوجوب الامتثال بالامر فان خلق الله الناس على فطرته التى هى عبارة عن قبولهم للحق وتمكنهم من ادراكه او عن ملة الاسلام من موجبات لزومها والتمسك بها قطعاً فانهم لو خلوا وما خلقوا عليه ادى بهم اليها وما اختاروا عليها دينا آخر ومن غوى منهم فباغواء شياطين الانس والجن ومنه قوله عليه السلام حكاية عن ب العزة (كل عبادى خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وامروهم ان يشركوا بى غيرى)والاجتيال بالجيم الجول اى استخفتهم فجالوا معها يقال اجتال الرجل الشئ ذهب به وساقه كذا فى تاج المصادر: قال ابن الكمال فى كتابه المسمى بنكارستان

برسلامت زايد ازمادر بسر آن سقامت را بذيرد از بدر
صدق محض است اين كه كفتم شاهدش درخبر وارد سد از خير البشر

وهو قوله عليه السلام "ما من مولود الا وقد يولد على فطرة الاسلام ثم ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء" يعنى [بينى بريده] (حتى تكونوا انتم تجدعونها) اى تقطعون انفها معناه كل مولود انما يولد فى مبدأ الخلقة واصل الجبلة على الفطرة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها استمر على لزومها ولم يفارقها الى غيرها لان هذا الدين حسنة موجود فى النفوس وانما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية والتقليد

بدبدان يا ركشت همسر لوط خاندان نبوتش كم شد
سك اصحاب كهف روزى جند فى نيكان كرفت ومردم شد

فان قلت ما معنى قوله عليه السلام (ان الغلام الذى قتله الخضر طبع كافرا) وقد قال (كل مولود يولد على الفطرة).
قلت المراد بالفطرة استعداده لقبول الاسلام كما مر وذلك لا ينافى كونه شقيا فى جبليته او يراد بالفطرة قولهم بلى حين قال الله ألست بربكم.
قال النووى لما كان ابواه مؤمنين كان هو مؤمنا ايضا فيجب تأويله بان معناه والله اعلم ان ذلك الغلام لو بلغ لكان كافرا انتهى.
ثم لا عبرة بالايمان الفطرى فى احكام الدنيا وانما يعتبر الايمان الشرعى المأمور به المكتسب بالارادة والفعل ألا يرى انه يقول فابواه يهودانه فهو مع وجود الايمان الفطرى فيه محكوم له بحكم ابويه الكافرين كما فى كشف الاسرار.
قال بعض الكبار [هر آدمى كه باشد اورا البته سه مذهب باشد. يكى مذهب بدر ومادر وعوام شهر بود اينست "ما من مولود" الخ. دوم مذهب بادشاه ولايت بودكه اكر بادشاه عادل باشد بيشتر اهل ولايت عادل شوند واكر ظالم باشد واكر زاهد شوند واكر حكيم باشد حكيم شوند واكر حنفى مذهب باشد حنفى شوند واكر شافعى مذهب باشد شافعى شوند ازجهت آنكه همه كس را قرب بادشاه مطلوب باشد وهمه كس طالب ارادت ومحبت بادشاه باشند ابنست معنى "الناس على دين ملوكهم" سوم مذهب يا ربود باكه صحبت دوستى مى ورزد هر آينه مذهب او كيرد ومعنى شرط صحبت مشابهت بيرون وموافقت اندرون اينست معنى "المرء على دين خليله"]

عن المرء لا تسأل وابصر قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى

ونعم ما قيل

نفس از همنفس بكيرد خوى بر حذر باش ازلقاى خبيث
باد جون بر فضاى بد كذرد بوى بدكيرد ازهواى خبيث

{ لا تبديل لخلق الله } تعليل للامر بلزوم فطرته تعالى لوجوب الامتثال به اى لا صحة ولا استقامة لتبديله بالاخلال بموجبه وعدم ترتيب مقتضاه عليه بقبول الهوى واتباع وسوسة الشيطان.
وفى التأويلات النجمية لا تحويل لما له خلقهم فطر الناس كلهم على التوحيد فاقام قلب من خلقه للتوحيد والسعادة وازاغ قلب من خلقه للالحاد والشقاوة انتهى.
يقول الفقير عالم الشهادة مرآة اللوح المحفوظ فلصورها تغير وتبدل واما رحم الام فمرآة عالم الغيب ولا تبدل لصورها فى الحقيقة ولذا (السعيد سعيد فى بطن امه والشقى شقى فى بطن امه)

مشكل آيد خلق را تغيير خلق آنكه بالذات است كى زائل شود
اصل طبعست وهمه اخلاق فرع فرع لا بد اصل را مائل شود

جعلنا الله واياكم من المداوين لمرض هذا القلب العليل لا ممن اذا صدمه الوعظ والتذكير قيل لا تبديل { ذلك } الدين المأمور باقامة الوجه له او لزوم فطرة الله المستفاد من الاغزاء او الفطرة ان فسرت بالملة والتذكير بتأويل المذكور او باعتبار الخبر { الدين القيم } المستوى الذى لا عوج فيه وهو وصف بمعنى المستقيم المستوى { ولكن اكثر الناس } كفار مكة { لا يعلمون } استقامته فينحرفون عنه انحرافا وذلك لعدم تدبرهم وتفكرهم.