التفاسير

< >
عرض

ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: ادخلوا الجنة { بِسَلاَمٍ .. } [ق: 34] سلامة خالية من المنغِّصات، ولا تنتقل إلى غَمٍّ أو ضيق أبداً بعد ذلك. وهذا القول { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ .. } [ق: 34] هو قول الملائكة حين يلقونهم بالسلام.
وكذلك يقولها لهم الحق سبحانه في قوله:
{ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58] والذي يلقاه ربه بالسلام فلا شقاءَ له بعدها أبداً.
أو { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ .. } [ق: 34] أي: مسلِّمين على إخوانكم، تقولون لهم: السلام عليكم كما كنتم تُسلِّمون عليهم وتُحيونهم بها في الدنيا، كذلك في الآخرة تُحيون بها مالكاً على باب الجنة، وتحيون بها إخوانكم.
{ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } [ق: 34] ذلك إشارة إلى يوم القيامة { يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } [ق: 34] يوم البقاء والدوام والنعيم الذي لا ينقطع ولا يزول، وهذا هو الفرْق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة.
نعيم الدنيا مهما كان يؤرقه على صاحبه أمران: أنْ يفوت النعيم بالموت، او يفوته النعيم بالفقر أو المرض، أما نعيم الآخرة فسالم من كلِّ المنغصات.
وقوله سبحانه: { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا .. } [ق: 35] أي: في الجنة. وقد وقف المستشرقون عند هذه الآية يقولون: كيف يثبت لهم مشيئة فيما يريدونه وقد ورد:
"فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" .
والمشيئة تعني أنهم يعرفون ما يريدونه؟
قالوا: يشاء ما كان يعلمه ويتلذذ به من نعيم الدنيا، في حين أن نعيم الآخرة غيره تماماً ليس له منه إلا الأسماء، أما حقيقة الشيء فتختلف، لذلك قال بعدها { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35].
وقد بيَّن الحق سبحانه هذه المسألة في قوله سبحانه:
{ { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً .. } [البقرة: 25].
يعني: إذا اشتاقت نفسه مثلاً لأن يأكل المانجو يجدها غير ما عرفه في الدنيا، فإنْ طلبها في اليوم التالي وجدها غير التي أكلها في اليوم الأول وهكذا، فهي متشابهة لكن ليست هي هي.
إذن: جعل لهم مشيئة فيما يعرفون من نعيم الدنيا وفيما يشتهونه منها، أما في الآخرة فشيء آخر بدليل
"فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" .
لأنك إذا اشتهيتَ شيئاً طلبته باسمه، والاسم فرع لمعرفة المعنى، وما دام أنها أشياء غريبة عنا فنحن إذن لا نعرفها ولا نعرف لها اسماً.