{ يا أيها الذين آمنوا ما لكم } نزلت في حثِّ المؤمنين على غزوة تبوك، وذلك
أنَّهم دُعوا إليها في زمان عسرةٍ من النَّاس، وجدبٍ من البلاد، وشدةٍ من الحرِّ،
فشقَّ عليهم الخروج، فأنزل الله تعالى: { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله }
أخرجوا في الجهاد لحرب العدوِّ { اثاقلتم إلى الأرض } أَحْبَبْتُمْ المقام { أرضيتم
بالحياة الدنيا } بدلاً { من الآخرة } يعني: الجنَّة { فما متاع الحياة الدنيا في
الآخرة } يريد: الدُّنيا كلَّها { إلاَّ قليل } عند شيءٍ من الجنَّة.
{ إلاَّ تنفروا } تخرجوا مع نبيِّكم إلى الجهاد { يعذبكم عذاباً أليماً } بالقحط وحبس
المطر { ويستبدل قوماً غيركم } يأت بقومٍ آخرين ينصرُ بهم رسوله { ولا تضرّوه
شيئاً } لأنَّ الله عصمه عن النَّاس، ولا يخذله أَنْ تثاقلتم، كما لم يضرَّه قلَّة ناصريه
حين كان بمكَّة وهم به الكفَّار، فتولَّى الله نصره، وهو قوله:
{ إلاَّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا } أَيْ: اضطروه إلى الخروج لمَّا
همُّوا بقتله، فكانوا سبباً لخروجه من مكَّة هارباً منهم، { ثاني اثنين } أَيْ: واحد
اثنين هو صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، والمعنى: نصره الله منفرداً إلاَّ من أبي بكر:
{ إذْ هما في الغار } هو غارٌ في جبل مكة يقال له: ثور { إذْ يقول لصاحبه }
أبي بكر: { لا تحزن } وذلك أنَّه خاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم الطَّلب، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا تحزن إنَّ الله معنا } يمنعهم منَّا، وينصرنا { فأنزل الله سكينته }
ألقى في قلب أبي بكر ما سكن به، { وأيده } أَيْ: رسوله { بجنود لم تروها }
قوَّاه وأعانه بالملائكة يوم بدر. أخبر أنَّه صرف عنه كيد أعدائه، ثمَّ أظهره: نصره
بالملائكة يوم بدر { وجعل كلمة الذين كفروا } وهي كلمة الشِّرك { السفلى وكلمة
الله هي العليا } [يعني: كلمة التَّوحيد] لأنَّها علت وظهرت، وكان هذا يوم
بدر.
{ انفروا خفافاً وثقالاً } شباباً وشيوخاً { وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله
ذٰلكم خير لكم } من التَّثاقل إلى الأرض { إن كنتم تعلمون } ما لكم من الثَّواب
والجزاء، ثمَّ نزل في المنافقين الذين تخلَّفوا عن هذه الغزوة:
{ ولو كان عرضاً قريباً } أَيْ: لو كان ما دُعوا إليه غنيمةً قريبةً { وسفراً قاصداً }
قريباً هيِّناً { لاتبعوك } طمعاً في الغنيمة { ولكن بعدت عليهم الشقة } المسافة
{ وسيحلفون بالله } عندك إذا رجعت إليهم { لو استطعنا لخرجنا معكم } لو قدرنا
وكان لنا سعةٌ من المال { يهلكون أنفسهم } بالكذب والنِّفاق { والله يعلم إنهم
لكاذبون } لأنَّهم كانوا يستطيعون الخروج.
{ عفا الله عنك لم أذنت لهم } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لطائفةٍ في التَّخلُّف عنه، من
غير مؤامرةٍ، ولم يكن له أن يمضي شيئاً إلاَّ بوحي، فعاتبه الله سبحانه، وقال:
لم أَذنت لهم في التَّخلُّف { حتى يتبيَّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } حتى
تعرف مَنْ له العذر منهم، ومَنْ لا عذر له، فيكون إذنك لمَنْ له العذر.