السدر: شجر معروف، وهو الذي يقال له شجر أم غيلان، وهو من العضاه، له شوك، وفي الجنة
شجر على خلقته، له ثمر كقلال هجر، طيب الطعم والريح، وصفه تعالى بأنه { مخضود }، أي مقطوع
الشوك، لا أذى فيه، وقال أمية بن أبي الصلت:
إن الحدائق في الجنان ظليلة فيها الكواعب سدرها مخضود
وعبر بعض المفسرين عن { مخضود } بأنه الموقر حملاً، وقال بعضهم: هو قطع الشوك، وهو
الصواب، أما إن وقره هو كرمه، وروي عن الضحاك أن بعض الصحابة أعجبهم سدروج فقالوا: ليتنا في
الآخرة في مثل هذا، فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد: ولأهل تحرير النظر هنا إشارة في أن هذا الخضد بإزاء أعمالهم التي سلموا
منها، إذ أهل اليمين توابون لهم سلام وليسوا بسابقين. والطلح كذلك من العضاه شجر عظام كثير الشوك
وشبهه في الجنة على صفات مباينة لحال الدنيا. و: { منضود } معناه مركب ثمره بعضه على بعض من
أرضه إلى أعلاه.
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجعفر بن محمد وغيره: "طلع منضود"، فقيل لعلي إنما هو:
{ طلح }. فقال: ما للطلح وللجنة؟ فقيل له أنصلحها في المصحف فقال: إن المصحف اليوم لا يهاج ولا
يغير. وقال علي بن أبي طالب وابن عباس: الطلح: الموز، وقاله مجاهد وعطاء. وقال الحسن: ليس
بالموز، ولكنه شجر ظله بارد رطب. والظل الممدود، معناه: الذي لا تنسخه شمس، وتفسير ذلك في قول
النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة لا
يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: { وظل ممدود }" إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى. وقال مجاهد: هذا
الظل هو من طلحها وسدرها.
وقوله تعالى: { وماء مسكوب } أي جار في غير أخاديد، قاله سفيان وغيره، وقيل المعنى: يناسب.
لا تعب فيه بسانية ولا رشاء.
وقوله تعالى: { لا مقطوعة } أي بزوال الإبان، كحال فاكهة الدنيا، { ولا ممنوعة } ببعد التناول ولا
بشوك يؤذي في شجراتها ولا بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهة الدنيا.
وقرأ جمهور الناس: "وفرُش" بضم الراء. وقرأ أبو حيوة: "وفرْش" بسكونها، والفرش: الأسرة،
وروي من طريف أبي سعيد الخدري: أن في ارتفاع السرير منها خمسمائة سنة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا والله أعلم لا يثبت، وإن قدر فمتأولاً خارجاً عن ظاهره. وقال أبو عبيدة
وغيره: أراد بالفرش النساء.
و: { مرفوعة } معناه: في الأقدار والمنازل، ومن هذا المعنى قول الشاعر [عمرو بن الأهتم
التميمي]: [البسيط]
ظللت مفترش الهلباء تشتمني عند الرسولِ فلم تصدقْ ولم تصب
ومنه قول الآخر في تعديد على صهره:
وأفرشتك كريمتي
وقوله تعالى: { إنا أنشأناهن إنشاء } قال قتادة: الضمير عائد على الحور العين المذكورات قبل وهذا
فيه بعد، لأن تلك القصة قد انقضت جملة. وقال أبو عبيدة معمر: قد ذكرهن في قوله: { فرش } فلذلك
رد الضمير وإن لم يتقدم ذكر لدلالة المعنى على المقصد، وهذا كقوله تعالى: { { حتى توارت بالحجاب } }
[ص: 32] ونحوه: و: { أنشأناهن } معناه: خلقناهن شيئاً بعد شيء. وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في تفسير هذه الآية: "عجائزكن في الدنيا عمشاً رمصاً" ، و "قال لعجوز: إن الجنة لا يدخلها العجز، فحزنت، فقال: إنك إذا دخلت الجنة أنشئت خلقاً آخر" .
وقوله تعالى: { فجعلناهن أبكاراً } قيل معناه: دائمات البكارة متى عاود الواطئ وجدها بكراً.
والعرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها بإظهار محبته، قاله ابن عباس والحسن، وعبر عنهم ابن
عباس أيضاً بالعواشق، ومنه قول لبيد:
وفي الحدوج عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر
وقال ابن زيد العروب: الحسنة الكلام، وقد تجيء العروب صفة ذم على غير هذا المعنى وهي
الفاسدة الأخلاق كأنها عربت ومنه قول الشاعر [ابن الأعرابي]: [الطويل]
وما بدل من أم عثمان سلفع من السود ورهاء العنان عروب
وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: "عرُباً" بضم الراء. وقرأ حمزة والحسن والأعمش: "عرْباً"
بسكونها وهي لغة بني تميم، واختلف عن نافع وأبي عمرو وعاصم.
وقوله: { أتراباً } معناه في الشكل والقد حتى يقول الرائي هم أتراب، والترب هو الذي مس التراب
مع تربه في وقت واحد. قال قتادة: { أتراباً } يعني سناً واحدة، ويروى أن أهل الجنة على قد ابن أربعة
عشر عاماً في الشباب والنضرة، وقيل على مثال أبناء ثلاث وثلاثين سنة مرداً بيضاً مكحلين.
واختلف الناس في قوله: { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره،
الأولون: سالف الأمم، منهم جماعة عظيمة أصحاب يمين، والآخرون: هم هذه الأمة، منهم جماعة
عظيمة أهل يمين.
قال القاضي أبو محمد: بل جميعهم إلا من كان من السابقين. وقال قوم من المتأولين: هاتان الفرقتان
في أمة محمد، وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الثلثان من أمتي" فعلى هذا
التابعون بإحسان ومن جرى مجراهم ثلة أولى، وسائر الأمة ثلة أخرى في آخر الزمان.