قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي: { لإيلاف قريش إيلافهم } على
إفعال والهمزة الثانية ياء، وقرأ ابن عامر "لألآف" على فعال { إيلافهم } على أفعال بياء في الثانية، وقرأ أبو
بكر عن عاصم: بهمزتين فيهما الثانية ساكنة، قال أبو علي: وتحقيق عاصم هاتين الهمزتين لا وجه له،
وقرأ أبو جعفر: "إلْفهم" بلام ساكنة، و { قريش } ولد النضر بن كنانة، والتقرش: التكسب، وتقول ألف
الرجل الأمر وآلفه غيره، فالله عز وجل آلف قريشاً أي جعلهم يألفون رحلتين في العام، رحلة في الشتاء
وأخرى في الصيف، ويقال أيضاً ألف بمعنى آلف، وأنشد أبو زيد: [الطويل]
من المؤلفات الرمل أدماء حرة شعاع الضحى في جيدها يتوضح
فألف وإلاف مصدر ألف، و "إيلاف" مصدر آلف، قال بعض الناس: كانت الرحلتان إلى الشام في
التجارة، وقيل الأرباح، ومنه قول الشاعر: [الكامل]
سفرين بينهما له ولغيره سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وقال ابن عباس: كانت { رحلة الشتاء } إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى بصرى من أرض الشام، قال
أبو صالح: كانت جميعاً إلى الشام، وقال ابن عباس أيضاً: كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث
الماء والظل، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم، فهاتان رحلتا الشتاء والصيف، قال
الخليل بن أحمد فمعنى الآية: لأن فعل الله بقريش هذا ومكنهم من الفهم هذه النعمة { فليعبدوا رب هذا البيت }.
قال القاضي أبو محمد: وذكر البيت هنا متمكن لتقدم حمد الله في السورة التي قبل، وقال الأخفش،
وغيره: { لإيلاف } ، متعلقة بقوله: { { فجعلهم كعصف مأكول } [الفيل: 5]، أي ليفعل بقريش هذه
الأفاعيل الجميلة، وقال بعض المفسرين معنى الآية: أعجبوا { لإيلاف قريش }، هذه الأسفار وإعراضهم
عن عبادة الله، ثم أمرهم بالعبادة بعد وأعلمهم أن الله تعالى هو الذي { أطعمهم } { وآمنهم } لا سفرهم،
المعنى: فليعبدوا الذي أطعمهم بدعوة إبراهيم حيث قال: وارزقهم من الثمرات، وآمنهم بدعوته حيث
قال: { { رب اجعل هذا البلد آمناً } [إبراهيم: 35] ولا يشتغلوا بالأسفار التي إنما هي طلب كسب وعرض
دنيا، وقال النقاش: كانت لهم أربع رحل، وهذا قول مردود، وقال عكرمة: معنى الآية كما ألفوا هاتين
الرحلتين لدنياهم { فليعبدوا رب هذا البيت } لآخرتهم، وقال قتادة: إنما عددت عليهم الرحلتان لأنهم
كانوا يأمنون الناس في سفرتهم، والناس يغير بعضهم على بعض، ولا يمكن قبيلاً من العرب أن يرحل
آمناً، كما تفعل قريش، فالمعنى فليعبدوا الذي خصهم بهذه الحال فأطعمهم وآمنهم، وقوله تعالى: { من
جوع } معناه أن أهل مكة قاطنون بواد غير ذي زرع عرضة للجوع والجدب لولا لطف الله تعالى، وأن
جعلها بدعوة إبراهيم تجبى إليها ثمرات كل شيء، وقوله تعالى: { من خوف } أي جعلهم لحرمة البيت
مفضلين عند العرب يأمنون والناس خائفون، ولولا فضل الله تعالى في ذلك لكانوا بمدارج المخاوف، وقال
ابن عباس والضحاك: { من خوف } معناه من الجذام فلا ترى بمكة مجذوماً.