التفاسير

< >
عرض

فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
-الذاريات

روح البيان في تفسير القرآن

{ فالمقسمات امرا } الامر واحد الامور أريد به معنى الجمع وهو منصوب على ألمفعولية والمراد بالمقسمات الملائكة وايراد جمع المؤمث السالم فيهم بتأويل الجماعات اى فالملائكة التى تقسم الامور من الامطار والارزاق وغيرها وفى كشف الاسرار هذا كقوله { فالمدبرات امرا } قال عبدالرحمن بن سابط يدبر أمر الارض اربعة من الملائكة جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام فجبريل على الجنود والرياح وميكائيل على القطر والنبات وملك الموت على قبض الارواح واسرافيل يبلغهم مايؤمرون به وأضاف هذه الافعال الى هذه الاشياء لانها اسباب لظهورها كقوله تعالى خبرا عن جبريل " { لاهب لك غلاما زكيا } " وانما الله هو الواهب الغلام لكن لما كان جبريل سبب ظهوره أضاف الهبة اليه والفاء لترتيب الاقسام بها باعتبار مابينها من التفاوت فى الدلالة على كمال القدرة يعنى ان المقصود من الاقسام بها ظاهرا هو تأكيد المحلوف عليه وهو البعث وكونه محقق الوقوع والمقصود الاصلى تعظيم هذه الاشياء لما فيها من الدلالة على كمال قدرته فيكون فى المعنى استدلالا على المحلوف عليه فكأنه قيل فمن قدر على انشاء هذه الاشياء الا يقدر على اعادة ما انشأه اولا كقول القائل لمن أنعم عليه وحق نعمك الكثيرة انى لاأزال أشكرك اتى بصورة القسم الدال على تعظيم النعم استدلالا به على انه مواظب لشكرها فاذا كان كذلك فالمناسب أن يقدم ماهو أدل على كمال القدرة والرياح أدل عليه بالنسبة الى السحب لكون الرياح اسبابا لها والسحب لغرابة ماهيتها وكثرة منافعها ورقة حاملها الذى هو الريح أدل عليه من السفن وهذه الثلاث لكونها من قبيل المحسوسات أدل عليه من الملائكة الغائبين عن الحسن لانه كلام من المنكر فربما ينكر وجود من هو غائب عن الحسن فلا يتم الاستدلال وقال سعدى المفتى فى بيان التفاوت المذكور فاما على التنزيل كما قوله عليه السلام "رحم الله المحلقين والمقصرين" بأن يقال الرياح أظهر فى الدلالة على كمال القدرة من السحب وهى من السفن والثلاث من الملائكة المقسمة لانه كلام مع الجاحد ويمكن ان ينكرها فكيف بجعلها أظهر مما هو محسوس على مااختاره صاحب الكشف واما على الترقى والقول بأن كلا منها آخره أدل على كمال القدرة مما قبله ولا اعتبار بأنكار من لاعبرة به فالمقسمات يدل على اقدار الروحانيات مع لطفاتها على التصرف فى الجسمانيات مع كثافتها ثم الجاريات المتألفة من جميع العناصر على مافيها من الصنعة البديعة والامور العجيبة من حمل الاثقال مع خفة الحامل ورقة المحمل وقطع المسافة الشاسعة فى زمان يسير بهبوب الرياح العاصفة ثم الحاملات تتألف من الاجزآء المائية والهوآئية وقليل من الاجزآء النارية والارضية وفيها غرآئب من الآثار العلوية ولا تتم الا بواسطة الرياح وعليك بالتأمل انتهى. يقول الفقير سر الترتيب هو ان الرياح فوق السحاب الحاملة للمطر وهى فوق الماء الحامل للسفن وهو فوق الارض الظاهر اثر تدبير الملائكة فيها فأشار تعالى الى ان كل امر انماينزل من السماء وكل تأثير فى الارض انما يظهر من جانب العلو ومن ذلك وقوع البعث من القبور فمن قدر على اطهار الآثار فى الارض بالتأثيرات العلوية كان قادرا على البعث لانه من الآثار الارضية ايضا والله اعلم وفيه اشارة الى من ينزل من الملائكة المقربين لتفقد أهل الوصلة والقيام بأنواع من الامور لاهل هذه القصة فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم هل عندهم خبر من فراقهم ووصالهم ويقولون

بربكما ياصاحبى قفاليا اسئلكما عن حالكم فسألانيا