التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤
-الحجرات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ } بغلظة وجفاء وهم وفد بني تميم وقيل اكثره منهم* { مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ } (من) للابتداء و (الوراء) الجهة التي يواريها الشخص بنفسه ولو من قدامه ولذا يطلق الوراء على قدام ايضا ويقال ناداني من وراء الدار اي قطر من اقطارها الظاهرة من غير اعتبار وجه الدار أو دبرها و { الْحُجُرَاتِ } جمع حجرة بالضم فالاسكان وهي القطعة من الارض المجوزة بحائط يحوط عليها (فُعّلة) بمعنى مفعولة كغرفة وقبضة وقرئ بفتح الجيم وباسكانها والمراد حجرات نسائه صلى الله عليه وسلم تفرقوا عليهن تطلبا لكل واحدة حجرة نادوه مناداة الأجلاف من غير قصد الى جهة ناداه بعض من وراء هذه وبعض من وراء هذه واسند النداء الى جميعهم والمنادى بعضهم فقط لرضى الباقين قيل انهم سبعون وقد قيل ان المنادي عيينة والاقرع والزبرقان بن بدر نادوه وقت الظهيرة وهو راقد يا محمد اخرج الينا يا محمد اخرج الينا أو نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها وجمعت تعظيما له صلى الله عليه وسلم وفي ذكر الحجرات وانه صلى الله عليه وسلم نودي منهن كناية عن خلوته بالنساء* { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } لان العقل يقتضي حسن الأدب ولا سيما لمن كان في هذا المنصب ولفظ (الاكثر) اما لان فيهم من يعقل وهو قليل (والاكثر) بمعنى الكثير وهم من لا يرجع عن الشر والقليل يرجع او لان القلة تطلق على النفي ايضا في كلامهم وليس فيهم عاقل وفي الآية بينات عديدة اجلالا له صلى الله عليه وسلم وورد على النظم المسجل به على الصائحين سفها وجهلا والكناية بالحجرات عن الخلوة والمقيل مع بعض نسائه والتعريف بأل لا بالاضافة وتشفيع ذمهم باستجفائهم وضعف عقولهم وضبطهم لموضع التمييز في الخطاب تسلية له صلى الله عليه وسلم وتهوينا لسوء أدبهم وبدأ السورة بالنهي عن التقدمة مطلقا ثم أردفه بالنهي عن الرفع والجهر وهما من جنس التقدمة والنهي عنها وطأ للنهي عنهما ثم أثنى على الغاضين أصواتهم دلالة على عظمته عند ربه وأردف ذلك بذكر ندائهم في حال الخلوة ببعض نسائه نداء الأجلاف بعضهم بعضا لمن يكلمه المهاجرون والأنصار بالسرار للتنبيه على فظاعة فعلهم وعليك بمراعاة الأدب كما حكى عن أبي عبيدة العلامة العمالة ـرحمه الله ـ انه قال: ما دققت بابا على عالم قط حتى يحرج في وقت خروجه فروي انه لما نادوه مرارا وأيقظوه من النوم خرج ونزلت الآية وقال: "هم جفاة بني تميم لولا إنهم من أشد الناس قتالا للاعور الدجال لدعوت عليهم أن يهلكوا" وكان نداؤهم في المسجد من وراء الحجرات ولما خرج قالوا له: نحن ناس من بني تميم جئنا اليك بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال ما بالشعر بعثت ولا بالفخر أمرت ولكن هاتو فقام شاب فقال الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالا نفعل بها ما نشاء فنحن من خير أهل الأرض وأكبرهم عدة ومالا وسلاحا ومن أنكر قولنا فليأت بأحسن من قولنا وأفعالنا فقال صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فاجبه فقام وقال: الحمد لله سبحانه أحمده واستعينه واؤمن به وأتوكل عليه وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوها واعظمهم احلاما فاجابوه فالحمد لله الذي جعلنا انصاره ووزراء رسوله فنحن نقاتل الناس على أن يشهدوا ان لا اله الا الله فمن قالها منع منا نفسه وماله ومن أبى قاتلناه وكان علينا هنيئا أقول قولي هذا واستغفر الله عز وجل لي وللمؤمنين والمؤمنات فقام ذلك الشاب فقال:

نحن الكرام فلا حي يعادلنا فينا الرؤوس وفينا يقسم الربع
ونطعم الناس عند القحط كلهم من السديف اذا لم يؤنس الفزع
أنى اتينا فلا يأتي لنا أحد إنا كذلك عند الفخر نرتفع

فارسل الى حسان فقال مرة ان يسمعني ما قال يا رسولا لله فاسمعه فقال:

نصرنا رسول الله والدين عنوة على رغم باد من معد وحاضر
السنا نخوض الموت في حومة الوغى اذا طاب ورد الموت بين العساكر
ونضرب هام الدارعين وننثني الى حسب من حذم غسان قاهر
فلولا حياء الله قلنا تكرما على الناس بالحيين هل من منافر
فاحياؤنا من خير من وطيء الحصى وأمواتنا من خير أهل المقابر

فقام الأقرع بن حابس فقال: أي والله لقد جببت ما قاله هؤلاء وقد قلت شعرا فأسمعه فقال هات فقال:

أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا اذا فاخرونا عند ذكر المكارم
وإنا رؤوس الناس من كل معشر وان ليس في أرض الحجاز كدارم
وان لنا المرباع في كل غارة تكون بنجد او بارض التهائم

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حسان فاجبه فقال:

بني دارم لا تفخروا ان فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم
هَبِلتم علينا تفخرون وانتم لنا خول من بين قن وخادم
وأفضل ما نلتم من المجد والعلا وداقتنا من بعد ذكر الاكارم
فان كنتم جئتم لحقن دمائكم واموالكم من قبل قسم المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا واسلموا ولا تفخروا عند النبي بدارم
والا ورب البيت مالت أكفنا على هامكم بالمرهفات الصوارم

فقال الأقرع: والله ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أحسن شعراً ثم أعطاهم صلى الله عليه وسلم وكساهم وعن الحسن إن المنادين منافقون وعنه جاء شاعر فنادى يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم بعدما خرج: ويحك ويلك مالك فقال قلت لي ويحك ويلك فوالله ان حمدي لزين وان شتمي لشين فقال صلى الله عليه وسلم "سبحان الله ذلك الله سبحان الله ذلك الله" "وعن ابن عباس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية الى بني العنبر وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري فلما علموا انه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسباهم عيينة وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة ووافقوه صلى الله عليه وسلم قائلا في أهله فلما رأتهم الذراري جاءوا الى آبائهم يبكون فعجلوه أخرج الينا يا محمد أخرج الينا يا محمد حتى أيقظوه فقالوا يا محمد هات عيالنا فنزل جبرائيل ان الله يأمرك ان تجعل بينك وبينهم رجلا فقال صلى الله عليه وسلم اترضون ان يكون بيني وبينكم شبرة بن عمر وهو على دينكم قالوا نعم قال شبرة انا أحكم وعمي شاهد وهو الأعور بن سامة فرضوا به فقال أرى ان تفادي نصفهم وتعتق نصفهم ففعل صلى الله عليه وسلم"