التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
٤٠
-النمل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ } المنزل وقيل: اللوح وهو آصف بن برخيا من بني اسرائيل كان صديقاً يعرف إسم الله الأعظم الذي اذا دعي به أجاب قيل وهو كاتب سليمان وقيل: وزيره قيل وهو ابن خالته وكون المراد اصف بن برخيا هو قول الجمهور، وقيل رجل اسمه أسطوم وهو قول ابي هريرة، وقال قتادة: تلميخا، وقيل: جبريل وقيل: ملك أيد الله بن سليمان، وقيل: الخضر، وقيل: جني مؤمن يحفظ اسم الله الأعظم.
{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ } يرجع.
{ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قال الشيخ هودرحمه الله : دعا ياذا الجلال والإكرام والمنن العظام والعز الذي لا يرام، وذلك هو الاسم الأعظم، وقيل: يا حي يا قيوم وهو قول عائشة روته حديث وقيل: يا ذا الجلال والاكرام وهو قول مجاهد، وقال الحسن: الله والرحمن، وقال الزهري وعثمان بن مظغون: يا الهنا واله كل شيء إلها واحداً لا إله إلا أنت، دعا بذلك، وقال عقبة: إئتني بعرشها، وعن مقاتل عن ابن عباس: أن آصف بن برخيا قال لسليمان حين صلى ركعتين ودعا: مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد طرفه نحو اليمن فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يشقون به الأرض شقاً حتى انخرقت به الأرض بين يدي سليمان، وعن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الذي عنده علم من الكتاب رجل صالح كان في جزيرة من جزائر البحر خرج ذلك اليوم ينظر هل يعبد الله سكان الأرض أم لا فوجد سليمان عليه السلام فدعا باسم من أسماء الله فإذا بالعرش حُمل فأُتي به سليمان قبل أن يرتد اليه طرفه، وروي انه لما دعا الذي عنده علم من الكتاب جاءت الملائكة بالعرش بين السماء والأرض، واختلفوا في قوله { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِليْكَ طَرْفُكَ } قال ابن جبير وقتادة: معناه قبل أن يصل اليك من يقع عليه طرفك في أبعد ما ترى، وقال مجاهد: معناه مده مدر البصر دون تغميض فإذا العرش معه جاءه من اليمن وهو في الشام ويجوز أن يكون المراد استقصار المدة كما تقول افعل كذا في لحظة وفي رد طرف تريد السرعة لا الحقيقة والخطاب لسليمان.
و { آتِيكَ } مضارع او اسم فاعل وقال محمد بن المكندر { الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ مِّنَ الكِتَابِ } هو سليمان ورده السهيلي بأنه لا يصح في سياق الكلام وعلى هذا القول فكان سليمان استبطأ العفريت فقال له: أنا أريك ما هو أوسع مما تقول تحداهم أولا ثم أراهم انه يتأتى لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم وروي انه لما قال العفريت ما قال سليمان { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِليْكَ طَرْفُكَ } فدعا فحضر وقيل: قال للعفريت هات فقال له انت النبي وليس أحد عند الله أوجه منك فان دعوت الله كان عندك قال صدقت فخر ساجدا ودعى بالاسم الأعظم فحضر في الوقت من تحت الأرض والطرف تحريك الأجفان فوضع موضع النظر فقيل أرسل الطرف ورد الطرف فارتد ويطلق ايضا على العين.
{ فَلَمَّا رَءَاهُ } رأى سليمان العرش.
{ مُسْتَقِراً عِنْدَهُ } في طرفة عين والرؤية بصرية ومستقرا حال وانما ظهر لأنه لم يورد به مطلق الوجود فضلا عن أن يكون كونا عاما واجب الحذف بل المراد الوجود المتيقن الخالي عن التزلزل هو كون خاص قال ابن هشام زعم ابن عطية ان مستقرا هو المتعلق الذي يقدر في أمثاله قد ظهر والصواب ما قاله أبو البقاء وغيره من أن هذا الاستقرار معناه عدم التحرك لا مطلق الوجود والحصول فهو كون خاص له.
{ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } تفضل به علي من غير استحقاق والاشارة الى احضار العرش في تلك المدة القصيرة وحقه مسيرة شهرين.
{ لِيَبْلُوَنِي } ليفعل بي فعل المختبر.
{ ءأَشْكُرُ } بابدال الهمزة الثانية الفا وتسهيلها وادخال الف بين الأولى والمسهلة وتخفيفهما.
{ أَمْ أَكْفُرُ } وعن الحسن انه لما دعي الداعي وجاء العرش وقع في نفس سليمان مثل الحسد له ثم فكر وقال ليس هذا الذي قدر على ما لم أقدر عليه إلا مسخرا لي يعمل في الأنعام عليَّ هذا من فضل ربي ليبلوني ءاشكر أم أكفر والشكر صرف الجوارح فيما خلقت لأجله ضد الكفر وان شئت فقل العبادة في مقابلة الاحسان وبسطه في الفقه، قيل: جملة أشكر وجملة أكفر محلهما النصب على الابدال من الياء والثانية بدل بواسطة العطف وقيل الجملة مفعول ثاني معلق عنها الابتلاء.
{ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لعود نفع شكره اليه لأنه يستوجب به دوام النعمة وتمامها والزيادة كما قيل الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة قال بعض المتقدمين أن كفران النعمة بوار وقل ما اقشعت نافرة فرجعت نضابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم وأهنها بكرم الجوار واعلم ان سبوع النعمة وستر الله متقلص عما قريب اذا انت لم ترج لله وقارا.
{ وَمَن كَفَرَ } النعمة.
{ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ } عن شكره.
{ كَرِيمٌ } بالأنعام على من لم يكفرها أو بالأنعام على من كفرها ثانيا فهو تعالى لا يقطع النعم بكفرانها وكان الأنبياء والمخلصون من عباد الله يتلقون النعمة القادمة بحسن الشكر كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر.