التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
٤٠
-النحل

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لا يتعاصى على قدرته شيء، وإذ يقول للشيء "كن" فيكون بلا تأخير. وذلك أن الكفار لما { { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل: 83]، ورد الله عليهم كذبهم بقوله: { { بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } [النحل: 83] بين أنه قادر على كل شيء، وأنه كلما قال لشيء "كن" كان.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله في الرد على من قال
{ مَنْ يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 78]: { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82].
وبين أنه لا يحتاج أن يكرر قوله: "كن" بل إذا قال للشيء "كن" مرة واحدة، كان في أسرع من لمح البصر - في قوله:
{ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [القمر: 50]، ونظيره قوله: { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [النحل: 77]، وقال تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران: 59] الآية، وقال: { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28]، إلى غير ذلك من الآيات.
وعبر تعالى عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء. لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل. فلا تنافي الآية إطلاق الشيء على خصوص الموجود دون المعدوم. لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء، وانه يقول له كن فيكون - كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه. أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع، كتسمية العصير خمراً في قوله:
{ { إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً } [يوسف: 36] - نظراً إلى ما يؤول إليه في ثاني حال. وقرأ هذا الحرف ابن عامر والكسائي "فيكون" بفتح النون منصوباً بالعطف على قوله: أن نقول. وقيل: منصوب بأن المضمرة بعد الفاء في جواب الأمر. وقرأ الباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فهو يكون. ولقد أجاد من قال:

إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قولة فيكون

واللام في قوله: "لشيء" وقوله: "له" للتبليغ. قاله أبو حيان.