{ وَأُمْلِى لَهُمْ } وأُمْهِلُهُم ليزدادُوا إِثماً وهم يزعمونَ أنَّ ذلكَ لإرادةِ الخيرِ بهِم. { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } لا يُوقفُ عليهِ ولا يُدفعُ بشيءٍ، وتسميةُ ذلكَ كيداً لكونِهِ في صورةِ الكيدِ { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ } على الإبلاغِ والإرشادِ { أَجْراً } دنيوياً { فَهُمُ } لأجلِ ذلكَ { مّن مَّغْرَمٍ } أي غرامةٍ ماليةٍ { مُّثْقَلُونَ } مكلفونَ حملاً ثقيلاً فيُعرضونَ عنْكَ { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } أي اللوحُ أو المغيباتُ { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } منْهُ ما يحكمُون ويستغنُونَ بهِ عن علمِكَ { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } وهو إمهالُهُم وتأخيرُ نصرتِكَ عليهِم { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } أي يونسُ عليهِ السَّلامُ { إِذْ نَادَىٰ } في بطنِ الحوتِ { وَهُوَ مَكْظُومٌ } مملوءٌ غيظاً، والجملةُ حالٌ من ضميرِ نادَى وعليها يدورُ النَّهي على النداءِ فإنه أمرٌ مستحسنٌ ولذلكَ لم يُذكرِ المُنادَى وإذْ منصوبٌ بمضافٍ محذوفٍ أي لا يكُن حالُك كحالِه وقتَ ندائِهِ أي لا يُوجدُ منكَ ما وُجدَ منْهُ من الضجرِ والمُغاضبةِ فتبتلى ببلائِهِ.
{ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ } وقُرِىءَ رحمةٌ وهُو توفيقُهُ للتوبةِ وقبولُهَا منْهُ، وحسُنَ تذكيرُ الفعلِ للفصلِ بالضميرِ، وقُرِىءَ تداركتْهُ وتَداركُهُ أي تتداركهُ على حكايةِ الحالِ الماضيةِ بمَعْنَى لولا أنْ كانَ يقالُ فيهِ تتداركه. { لَنُبِذَ بِٱلْعَرَاء } بالأرضِ الخاليةِ من الأشجارِ { وَهُوَ مَذْمُومٌ } مُليمٌ مطرودٌ من الرحمةِ والكرامةِ، وهو حالٌ من مرفوعِ نُبذَ عليهَا يعتمدُ جوابُ لولا لأنَّها هي المنفيةُ لا النبذُ بالعراءِ كما مرَّ في الحالِ الأُولى، والجملةُ الشرطيةُ استئنافٌ، وإنْ لبـيانِ كونِ المنهيِّ عنْهُ أمراً محذوراً مستتبعاً للغائلةِ. وقولُهُ تعالَى: { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } عطفٌ على مقدرٍ أي فتداركتْهُ نعمةٌ من ربِّه فاجتباهُ بأنْ ردَّ إليهِ الوحيَ، وأرسلَهُ إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدونَ، وقيل استنبأَهُ إنْ صحَّ أنَّه لم يكُنْ نبـياً قبلَ هذهِ الواقعةِ { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } من الكاملينَ في الصلاحِ بأنْ عصمَهُ منْ أنْ يفعلَ فعلاً يكونُ تركُهُ أَوْلَى. رُوِيَ أنَّها نزلتْ بأُحُدٍ حينَ همَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ على المنهزمينَ من المؤمنينَ، وقيلَ حينَ أرادَ أنْ يدعوَ على ثقيفٍ.