القراآت: { نكيري } بإثبات الياء حيث كان في الحالين: يعقوب. وافق ورش وسهل
وعباس في الوصل. { أهلكتها } على التوحيد: أبو عمرو وسهل ويعقوب الآخرون
{ أهلكناها } { وبير } بالياء: أبو عمرو غير شجاع وأوقية ويزيد والأعمش وورش وربيعة
وابن فليح وحمزة في الوقف. { يعدون } على الغيبة: ابن كثير وحمزة وعلي وخلف
{ معجزين } بالتشديد: حيث كان: ابن كثير وأبو عمرو. ثم { قتلوا } بالتشديد ابن عامر
{ وأن ما يدعون } بياء الغيبة وكذلك في سورة لقمان: أبو عمرو وسهل ويعقوب وحمزة
وعلي وخلف وحفص.
الوقوف: { وثمود } ه { ولوط } ه { مدين } ج لانقطاع النظم مع اتحاد المعنى
{ أخذتهم } ج لابتداء التهديد مع فاء التعقيب { نكير } ه { مشيد } ه { يسمعون بها } ه
للابتداء بأن مع الفاء { الصدور } ه { وعده } ط { تعدون } ه { أخذتها } ط { المصير } ه
{ مبين } ه ج للابتداء مع الفاء { كريم } ه { الجحيم } ه { أمنيته } ج لانقطاع النظم مع
إتحاد المعنى { آياته } ط { حكيم } ه لا لتعلق اللام { قلوبهم } ط { بعيد } ه لا { قلوبهم }
ط { مستقيم } ه { عقيم } ه { لله } ط { بينهم } ط { النعيم } ه { مهين } ه { حسناً } ط
{ الرازقين } ه { يرضونه } ط { حليم } ه { ذلك } ج { لينصرنه الله } ط { غفور } ه { بصير }
ه { الكبير } ه { ماء } ز لنوع عدول مع العطف { مخضرة } ط { خبير } ه { وما في
الأرض } ط { الحميد } ه.
التفسير: إنه سبحانه بعد ضمان النصر لنبيه صلى الله عليه وسلم والدفع عن أمته ذكر ما فيه تسليته وهو
أنه ليس بأوحدي في التكذيب له والقصص معلومة مما سلف. قال جار لله. إنما لم يقل
"وقوم موسى" لأن موسى كذبه غير بني إسرائيل وهم القبط، أو المراد وكذب موسى أيضاً
مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره؟ والنكير بمعنى الإنكار عبر به عن الهلاك
المعجل لأنه يستلزمه أو لأن الهلاك رادع لغيرهم فكأنه أنكر به عليهم حتى ارتدعوا، أو هو
بمعنى التغيير لأنه أبدلهم بالنعمة محنة وبالحياة هلاكاً وبالعمارة خراباً. قوله { وهي ظالمة
فهي خاوية } الأولى في محل النصب على أنها حال، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على
{ أهلكناها } وهذه ليس لها محل. قال أبو مسلم: اراد هي كانت ظالمة فهي الآن خاوية
على عروشها وقد مر تفسيرها في البقرة في قوله { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية }
[البقرة: 259] قوله { وبئر معطلة } عطف على { قرية } أي وكم بئر عطلناها عن سقائها مع
أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء، وكم قصر مشيد مجصص أو مرتفع أخليناه عن
ساكنيه؟ فحذف هذه الجملة لدلالة معطلة عليها. وقد يغلب على لاظن من هاتين القرينتين
أن "على" في قوله { على عروشها } بمعنى "مع" كأنه قيل: هي خاوية أي ساقطة أو خالية
مع بقاء عروشها قاله في الكشاف. وأقول: إذا كانت القرى المهلكة غير البئر والقصر فهذا
الظن مرجوح أو مساوٍ لا غالب. يروى أنها بئر نزل عليها صالح مع اربعة آلاف نفر ممن
آمن به ونجاهم وسميت بلدة عند البئر اسمها حاضوراء بناها قوم صالح واقاموا بها زماناً ثم
كفروا وعبدوا صنماً وأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان نبياً فقتلوه فأهلكهم الله وعطل
بئرهم وخرب قصورهم. يحكى أن الإمام أبا القاسم الأنصاري قال: هذا عجيب لأني زرت
قبر صالح بالشام ببلدة يقال لها عكة فكيف قيل: إنه بحضرموت؟ قلت: لا غرو أن يتفق
الموت بأرض والدفن بأرض أخرى. ثم أنكر على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الاثار قائلاً
{ أفلم يسيروا } حثهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا. ويحتمل أن يكونوا قد
سافروا ولم يعتبروا فلهذا جاء الإنكار كقوله { { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا
تعقلون } [الصافات: 137 - 138] والمراد بالسماع سماع تدبر وانتفاع وإلا كان كلا سماع
كما أن المراد بالإبصار إبصار الاعتبار ولهذا قال { فإنها } أي إن القصة { لا تعمى الأبصار }
أي أبصارهم { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } وفي هذا التصوير زيادة التمكين
والتقرير لغرابة نسبة العمى إلى القلب، وجوز في الكشاف أن يكون الضمير في { فإنها }
ضميراً مبهماً يفسره الأبصار وفاعل { تعمى } ضمير عائد إلى الضمير الأول المبهم.
والمعنى على الوجهين أن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها وإنما العمى بقلوبهم، أو لا
تعتدوا بعمى الأبصار وإن فرض لأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب. وزعم بعضهم
أن في الآية إبطالاً لقول من جعل محل الكفر الدماغ وليس بقوي فقد يتشاركان في ذلك، أو
يكون سلطانه في القلب والدماغ كالآلة.
ثم حكى من عظيم ما هم عليه من التكذيب أنهم يستهزؤن باستعجال العذاب العاجل
والآجل كأنهم جوزوا الفوت فلهذا قال { ولن يخلف الله وعده } أو لعلهم طلبوا عذاب
الآخرة فذكر أن استعجاله في الدنيا كالخلف لأن موعده الآخرة { وإن يوماً عند ربك كألف
سنة } قال أبو مسلم: أراد أن العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة لأن يوماً واحداً من
أيام عذاب الله في الشدة كألف سنة من سنينكم لأن أيام الشدائد مستطالة، أو كالف سنة من
سني العذاب إذا عدها العاد وذلك لشدة العذاب ايضاً. وقيل: أراد أن اليوم الواحد وألف
سنة بالنسبة إليه على السواء لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم
فلا يستبعدوا أيضاً إمهال ألف سنة. وقد يدور في الخلد أن هذا إشارة إلى لا تناهي طرف
الأبد المستتبع لازدياد امتداد الآحاد الاعتبارية لأجل سهولة الضبط، والغرض أن من كانت
أيامه في الطول إلى هذا الحد لا يفيد الاستعجال بالنسبة إليه شيئاً فالأولى بل الواجب
تفويض الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها من غير تقدم ولا تأخر ثم كرر قوله { وكأين من قرية } وليس
بتكرار في الحقيقة لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسباً لقوله { فكيف كان نكير } ولهذا عطف بالفاء بدلاً عتن ذلك، والثاني سيق لبيان الإملاء مناسباً لقوله { ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك
كألف سنة } فكأنه قيل: وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حيناً ثم أخذتهم
بالعذاب والمرجع للكل إلى حكمي. ثم أمر رسوله بأن يتلو عليهم جملة حاله في الرسالة
وهي أنه نذير مبين وجملة حالهم في باب التكليف مآلا، وإنما اقتصر على النذارة لأنها
تتضمن البشارة فإن كلام الحيكم لا يخلو عن ترغيب وإن كان مبنياً على الترهيب بدليل { يا
ايها الناس } وهو نداء الكفرة في قول ابن عباس. قال في الكشاف: هم الذين قيل فيهم
{ أفلم يسيروا } ووصفوا بالاستعجال، وإنما أقحم المؤمنون وثوابهم ليغاظوا. قالت
الأشاعرة: المغفرة إما للصغائر أو للكبائر بعد التوبة أو قبلها. والأولان واجبان عند الخصم
وأداء الواجب لا يسمى غفراناً فبقي الثالث ويلزم منه عفو صاحب الكبيرة من أهل القبلة،
أما الرزق فلا شك أنه الثواب، وأما الكريم فإما أن يكون أمراً سلبياً وهو أن يكون الإنسان
معه بحيث يستغنى عن المكاسب وتحمل المتاعب والذل والدناءة وما ينجر إلى المآثم
والمظالم، وإما أن يكون ثبوتياً وهو أن يكون رزقاً كثيراً دائماً خالصاً عن شوائب الضرر
مقروناً بالتعظيم والإجلال { والذين سعوا في آياتنا } أي بذلوا جهدهم في تكذيبها وإرادة
إبطالها كمن يسعى سعياً أي يمشي سريعاً. قال أهل اللغة: عاجزه سابقه لأن كل واحد
منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه. والمراد
معاجزين الله ورسوله أي مقدرين ذلك ظنا منهم أن كيدهم للإسلام يتم لهم، وأن طعنهم في
القرآن وتثبيطهم الناس عن التصديق يبلغ بهم غرضهم.
ثم بين أن له أسوة بالأنبياء السالفة والرسل السابقة في كل ما يأتي ويذر فقال { وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } خصص أولاً ثم عمم، فكل رسول نبي وليس كل نبي
رسولاً، فقد لا يكون معه كتاب بل يؤمر بأن يدعو إلى شريعة من قبله، وقد لا ينزل عليه
الملك ظاهراً وإنما يرى الوحي في المنام أو يخبره بذلك رسول في عصره، ولا بد للكل من
المعجزة. "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأنبياء فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً قيل: فكم
الرسل منهم؟ قال: ثلثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً" . قال عامة المفسرين في سبب نزول
الآية: أنه صلى الله عليه وسلم لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى في نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم
عنه لحرصه على إيمانهم. وكان ذات يوم جالساً في نادٍ من أنديتهم وقد نزل عليه سورة
{ { والنجم إذا هوى } [النجم: 1] فأخذ يقرؤها عليهم حتى بلغ قوله { أفرأيتم اللات والعزى ومناة
الثالثة الأخرى } [النجم: 19 - 20] وكان ذلك التمني في نفسه فجرى على لسانه "تلك الغرانيق
العلى منها الشفاعة ترتجى" فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته
حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين
والمشركين، فتفرقت قريش مسرورين وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فأتاه
جبرائيل وقال: ما صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخاف خوفاً شديداً فأنزل الله تعالى هذه الآية. واعترض المحققون على هذه الرواية بالقرآن
والسنة وبالمعقول. أما القرآن فكقوله { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم
لقطعنا منه الوتين } [الحاقة: 44 - 46] وقوله { وما ينطق عن الهوى } [النجم: 3] وقوله
{ { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن } [الإسراء: 74] نفى القرب من الركون فكيف به؟ وأما
السنة فهي ما روي عن ابن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة،
وقد صنف فيه كتاباً وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. هذه القصة غير ثابتة من
جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وقد روى البخاري في صحيحه
أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون الإنس والجن وليس فيه حديث
الغرانيق. وأما المعقول فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لنفي الأوثان فكيف يثبتها؟ وأيضاً إنه بمكة لم
يتمكن من القراءة والصلاة عند الكعبة ولا سيما في محفل غاص. وايضاً إن معاداتهم إياه
كانت أكثر من أن يغتروا بهذا القدر فيخروا سجداً قبل أن يقفوا على حقيقة الأمر. وأيضاً
منع الشيطان من اصله أولى من تمكنه من الإلقاء ثم نسخه. وايضاً لوجوزنا ذلك لارتفع
الأمان من الشرع، ولناقض قوله { بلغ ما أنزل إليك } [المائدة: 67] وحال الزيادة في
الوحي كحال النقصان منه. إذا عرفت هذا فللأئمة في تأويل الآية قولان: الأول أن التمني
بمعنى القراءة كما سلف في البقرة في قوله { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } [الآية:
78] وما المراد بهذه القراءة فيه وجهان: أحدهما أنه يجوز أن يسهو النبي فيه ويشتبه على
القارئ دون ما رووه من قوله "تلك الغرانيق العلى". وثانيهما أنه قراءة هذه الكلمة وإنها قد وقعت
بعينها. وكيف وقعت؟ ذهبت جماعة إلى أنه لما قرأ سورة والنجم اشتبه على الكفار
فتوهموا بعض ألفاظه ذلك، وزيف بأن هذا التوهم من الجم الغفير بعيد. وقيل: إن شيطان
الجن ألقاها في البين فظنها الحاضرون من قول الرسول. وضعف بأن هذا يفضي إلى ارتفاع
الوثوق عن كل ما يتكلم به النبي.
قلت: الإنصاف أنه غير ضعيف ولا يفضي إلى ارتفاع الوثوق لقوله سبحانه { فينسخ
الله ما يلقي الشيطان } وقيل: إن المتكلم به شيطان الإنس وهم الكفرة كانوا يقربون منه في
حال صلاته ويسمعون قراءته ويلقون فيها في إثناء وقفاته. وقيل: إن المتكلم به الرسول قاله
سهواً كما روي عن قتادة ومقاتل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند المقام فنعس وجرى على لسانه
هاتان الكلمتان، ولا ريب أنه يكون بإلقاء الشيطان. وضعف باستلزامه زوال الأمان عن
الشرع وقد عرفت جوابه، وبأن مثل هذا الكلام المطابق لفواصل السورة يستبعد وقوعها في
النعاس. وزعم قوم أن الشيطان أجبره على ذلك ورد بنحو قوله تعالى { إِنه ليس له سلطان
على الذين آمنوا } [النحل: 99] وذهب جماعة إلى أنه قال ذلك اختياراً. ثم إنها باطلة أم لا
فيه وجهان: أما اول ففيه طريقان: أحدهما قول ابن عباس في رواية أن "شيطاناً" يقال له
الأبيض أتاه على صورة جبريل وألقاها إليه فقرأها فلما سمع المشركون ذلك أعجبهم فجاء
جبريل واستعرضه فقرأها، فلما بلغ إلى تلك الكلمة أنكر عليه جبريل فقال: إنه أتاني آتٍ
على صورتك فألقاها على لساني. وثانيهما أنه لشدة حرصه على إيمان القوم أدخل هذه
الكلمة من تلقاء نفسه ثم رجع عنها. والطريقان منحرفان عند المحققين، لأن الأول يقتضي
أن النبي لا يفرق بين الملك والمعصوم والشيطان الخبيث. والثاني أنه يؤدي إلى كونه خائناً
في الوحي. وأما الوجه الثاني فتصحيحه أنه اراد بالغرانيق الملائكة، وقد كان قرآناً منزلاً
في وصف الملائكة فلما توهم المشركون أنه يريد آلهتهم نسخ الله تلاوته. أو هو في تقدير
الاستفهام بمعنى الإنكار، أو المراد بالإِثبات ههنا النفي كقوله { يبين الله لكم أن تضلوا }
[النساء: 176] قال الجوهري: الغرنيق بضم الغين وفتح النون من طير الماء طويل العنق،
وإذا وصف به الرجال فواحدهم غرنيق وغرنوق بكسر الغين وفتح النون، وغرنوق وغرانق
بالضم وهو الشاب السيد والجمع غرانق بالفتح والغرانيق. القول الثاني أن التمني هو تمني
القلب ومعنى الآية ما من نبي إلا وهو بحيث إذا تمنى أمراً من الأمور وسوس الشيطان إليه
بالباطل ويدعوه إلى مالا ينبغي، ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلى ما هو
الحق. وما تلك الوسوسة؟ قيل: هي أن يتمنى ما يتقرب به إلى المشركين من ذكر آلهتهم
بالخير وقد مر فساده. وقال مجاهد: إنه كان يتمنى إنزال الوحي بسرعة دون تأخير فعرفه الله
تعالى أن ذلك خاطر غير رحماني، وإنما المصلحة هي إنزال الوحي على وفق الحوادث.
وقيل: كان يتفكر في تأويل المجمل فيلقي الشيطان إلى جملته ما هو غير مراد، وكان رد الله
سبحانه إلى المعنى المراد بإنزال المحكمات. وقيل: معناه إذا أراد فعلاً يتقرب به إلى الله
حال الشيطان بينه وبين مقصوده والله تعالى يثبته على ذلك نظيره { إن الذين اتقوا إذا مسهم
طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } [الأعراف: 201] { وإما ينزغنك من الشيطان
نزغ فاستعذ بالله } [الأعراف: 200] واعترض على هذا القول بأن تمني القلب كيف يكون
فتنة للذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون، وللقاسية قلوبهم وهم المشركون؟ وأجيب بأنه
إذا قوي التمني اشتغل الخاطر به فحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسبه فيصير ذلك فتنة
لمن ضعفت عقيدته في النبي. والحاصل أن الرسل لا ينفكون عن السهو وإن كانوا
معصومين عن العمد فعليهم أن لا يتبعوا إلا ما يقطعون به لصدوره عن علم وذلك هو
المحكم. وذهب أبو مسلم إلى أن حاصل الآية هو أن كل نبي من جنس البشر الذين هم
بصدد الخطأ والنسيان من قبل وساوس الشيطان. ووجه النظم بين هذه الآية والتي قبلها أنه
أمر بأن يقول إني لكم نذير لكني من البشر لا من الملائكة ولم يرسل الله قبلي ملكاً بل
أرسل رجالا يوسوس الشيطان إليهم، وعلى هذا فالملائكة لعدم إمكان استيلاء الشيطان
عليهم أعظم درجة من الأنبياء وأقوى حالاً منهم. وقال صاحب الكشاف: المعنى أن الرسل
والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت وهو أن لا ينزل ما ينفر
أمتة ولا يوافق هواهم، مكن الله الشيطان ليلقي في أمانيهم مثل ما ألقي في أمنيتك حتى سبق
لسانك. فقلت "تلك الغرانيق" الخ. وسبب التمكين إرادة امتحان من حولهم والله سبحانه له
أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن ليضاعف ثواب الثابتين ويزيد في
عقاب المذبذبين. فهذه جملة أقوال المفسرين في الآية.
وأما قوله { فينسخ الله } فالمراد إزالة تأثير ما يلقي الشيطان وهو النسخ اللغوي لا
النسخ الشرعي المستعمل في الأحكام وقوله { ثم يحكم الله آياته } فالمراد بالآيات هي آيات
القرآن أي يجعلها بحيث لا يختلط بها شيء من كلام غيره فتكون ثابتة في مظانها، أو
يجعلها بحيث لا يتطرق إليها تأويل فاسد معمول به عند الأمة. ويحتمل أن يكون المراد
بأحكام الآيات الإرشاد إلى أدلة الأحكام الشرعية. وقوله { وإن الظالمين } أراد المنافقين
والمشركين المذكورين إلا أنه وضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم والشقاق
البعيد والمعاداة الكاملة. وأعلم أنه سبحانه ذكر لتمكين الشيطان من الإلقاء في الأمنية
أثرين: أحدهما في حق غير أهل الإيمان وهم أهل النفاق والشرك وذلك قوله { وليجعل }
الآية. وثانيهما في حق المؤمنين العارفين بالله وصفاته وهو قوله { وليعلم الذين أوتوا العلم
أنه الحق } قال مقاتل: يعني القرآن. وعن الكلبي: أي النسخ. قال جار الله: أي تمكين
الشيطان من الإلقاء قلت: أما عند الأشاعرة فلأن المالك له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء،
وأما عند المعتزلة فلأن أفعاله جارية على وفق الحكمة والتدبير. { فتخبت } تخضع وتطمئن
{ له قلوبهم } بناء على أصلي الفريقين. والصراط المستقيم ههنا فسروه بالتأويلات
الصحيحة والبيانات المطابقة للأصول. قلت: وتفسيره بمعنى أعم من ذلك غير ضائر. ثم
بين أن الأعصار إلى قيام الساعة لا تخلو ممن يكون في شك من القرآن والرسول واليوم
العقيم. قيل: يوم بدر لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه، أو لأنه لا خير فيه
للكفار من قولهم "ريح عقيم" إذا لم تنشئ مطراً ولم تلقح شجراً، أو لأن يوم الحرب يقال
له "العقيم" من حيث أن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرون كأنهن عقم لم يلدن، أو من حيث
إن المقاتلين يقال لهم "أبناء الحرب" فإذا قتلوا بقي الحرب بلا أبناء. وعن الضحاك أنه يوم
القيامة لأنهم لا يرون فيه خيراً، أو لأن كل ذات حمل تضع فيه حملها، أو لأنه لا ليل فيه
فيستمر كاستمرار المرأة على عدم الولادة. ولا تكرار على هذا القول لأن المراد بالساعة
مقدماته، أو المراد حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذابها، فوضع يوم عقيم مقام
الضمير. واستحسن بعض الأئمة قول الضحاك ورجحه لأن الأول يلزم منه أن الكفار ينتهي
شكهم في يوم بدر وليس كذلك فإنهم في مرية بعد يوم بدر أيضاً. ويمكن أن يقال: "أو"
للعطف على أول الآية فيكون المراد بالذين كفروا في الأول الجنس، وفي الثاني العهد.
سلمنا أنه للعطف على { تأتيهم } إلا أن اللام في { الذين كفروا } للجنس فيقع على الذين ما
انتهى شكهم إلى يوم القيامة ويحتمل أن يراد بالساعة وقت موت كل واحد وبعذاب يوم
عقيم القيامة.
ثم بين أنه لا مالك يوم تأتي الساعة إلا الله وأنه يحكم بين الناس فيميز بين أهل الجنة
وأهل النار. ثم أفرد المهاجرين بالذكر تخصيصاً لهم بمزيد التشريف. يروى أن طوائف من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله، هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من
الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل الله عز وجل { والذين
هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا } قال بعض المفسرين هم الذين هاجروا من مكة إلى
المدينة. وقال بعضهم: هم الذين خرجوا من الأوطان في سرية أو عسكر. ولا يبعد حمل
الآية على الفريقين. والرزق الحسن نعيم الجنة. وعن الكلبي: هو الغنيمة لأنها حلال.
وقال الأصم: العلم والفهم كقول شعيب { ورزقني منه رزقاً حسناً } [هود: 88] وضعف
الوجهان بأنهما ممتنعان بعد القتل أو الموت. قال العلماء: وإنما تظهر هذه الفضيلة
للمهاجرين في مزيد الدرجات وإلا فلا بد من شرط اجتناب الكبائر كما في حق غيرهم.
{ وإن الله لهو خير الرازقين } لأن رزق غيره ينتهي إليه وغيره لا يقدر على مثل رزقه، ولأن
رزقه لا يختلط بالمن والأذى ولا بغرض من الأغراض الفاسدة، ولأنه يرزق ويعطي ما به
يتم الانتفاع بالرزق من القوى والحواس وغير ذلك من الشرائط الوجودية والعدمية. قالت
المعتزلة: في الآية دلالة على أن غير الله يقدر على الفعل وهو الرزق. ويمكن أن يجاب بأنه
مجاز أو على سبيل الفرض والتقدير. وليس في الآية دليل ظاهر على أن المهاجر المقتول
والمهاجر الميت على فراشه هل يستويان في الأجر أم لا بل المعلوم منها هو الجمع بينهما
في الوعد. وقد يستدل على التسوية بما روي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المقتول في
سبيل الله والمتوفي في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان" فإن لفظ الشركة مشعر
بالتسوية.
وحين بين رزقهم شرع في ذكر مسكنهم. قيل: في المدخل الذي يرضونه خيمة من درة
بيضاء لا فصم فيها ولا وصم، لها سبعون ألف صراع. وقال أبو القاسم القشيري: هو أن
يدخلهم الجنة من غير مكروه تقدم. وقال ابن عباس: يرون في الجنة ما لا عين رأت ولا
أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيرضونه ولا يبغون عنها حولاً { وإن الله لعليم }
بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم { حليم } عن تفريط المفرط منهم فيمهله حتى يتوب
فيدخل الجنة. ثم بين أنه مع إكرامه لهم في الآخرة لا يدع نصرهم في الدنيا قبل أن يقتلوا أو
يموتوا فقال { ذلك } قال الزجاج: أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين
خاصةً إذا قتلوا أو ماتوا. عن مقاتل: أن قوماً من المشركين لقوا قوماً من المسلمين لليلتين
بقيتا من المحرم فقالوا: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا
عليهم، فناشدهم المسلمون أن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر فأبوا وقاتلوهم فذلك بغيهم
عليهم وثبت لهم المسلمون فنصروا، فوقع في أنفس المسلمين شيء من القتال في الشهر
الحرام فنزل { ومن عاقب } أي قاتل { بمثل ما عوقب به } أي كما ابتدئ بقتاله سمى
الابتداء باسم الجزاء للطباق وللمبلابسة من حيث إن ذلك سبب وهذا مسبب عنه { ثم بغي
عليه } أي ثم كان المجازي مبغياً عليه أي مظلوماً. ومعنى "ثم" تفاوت الرتبة لأن كونه مبدوأ
بالقتال معه نوع ظلم كما قيل "البادي أظلم" وهو موجب لتنصرته ظاهراً إلا أن كونه في نفس
الأمر مظلوماً هو السبب الأصلي في النصرة. وعن الضحاك أن الآية مدنية وهي في
القصاص والجراحات. واستدل الشافعي بها في وجوب رعاية المماثلة في القصاص فقال:
من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه. وفي ختم الآية بذكر العفو والمغفرة وجوه منها: أن
المندوب للمجني عليه هو أن يعفو عن الجاني كقوله { فمن عفا وأصلح فأجره على الله }
[الشورى: 40] وكأنه قال: أنا ضامن لنصرته إن ترك الانتقام وطلب إكثار ما هو أولى به
فإِني عفوّ غفور. ومنها أنه ضمن النصر على الباغي ولوح بذكر هاتين الصفتين بما هو أولى
بالمجني عليه وهو العفو والصفح. ومنها أن دل بذكرهما على أنه قادر على العقوبة لأن
العفو عند المقدرة. ثم بين أن ذلك النصر بسبب أنه قادر ومن كمال قدرته إيلاج الليل في
النهار والنهار في الليل، وذلك أن زيادة أحدهما تستلزم نقصان الآخر، أو أراد تحصيل أحد
العرضين الظلام والضياء في مكان الآخر وقد مر في أوائل آل عمران. وفيه أن خالق الليل
والنهار ومصرف الأدوار والأكوار لا يخفى عليه شيء من الزمانيات خيراً أو شراً إنصافاً أو
بغياً وأكد هذا المعنى بقوله { إن الله سميع بصير } يسمع أقوال الخلائق ويبصر أفعالهم.
ثم بين أن كمال القدرة والعلم هو يقتضي وجوب الوجود فقال { ذلك } أي الوصف
بخلق الملوين وبالإحاطة بما يجري فيهما بسبب أن الحقية منحصرة في ذاته وأن وجود غيره
ولا سيما الأوثان موسوم بالبطلان فلا نقص كالإمكان. ويعلم مما ذكر أنه لا شيء أعلى منه
شاناً وأكبر سلطاناً. وإنما قال ههنا { من دونه هو الباطل } بزيادة هو وفي "لقمان" { من دونه
الباطل } [لقمان: 30] لأن هذا وقع بين عشر آيات كل آية مؤكدة مرة أو مرتين ولهذا أيضاً
زيدت اللام في قوله { وإن الله لهو الغني الحميد } بخلاف ما في "لقمان" وأيضاً يمكن أن
يقال: تقدم في هذه السورة ذكر الشيطان فلهذا ذكرت هذه المؤكدات بخلاف "لقمان" فإنه لم
يتقدم ذكر الشيطان هناك بنحو ما ذكر ههنا. ثم ذكر أنواعاً أخر من دلائل قدرته ونعمته فقال
{ الم تر } قيل: هي رؤية البصر لأن نزول الماء من جهة السماء أو اخضرار النبات من
المبصرات. وقيل: بمعنى العلم لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم لم يعتد بها. وفي قوله
{ فتصبح } دون أن يقول فأصبحت مناسباً لـ { أنزل } إشارة إلى بقاء أثر المطر زماناً طويلاً
وإن كان ابتداء الإصباح عقيب النزول نظيره قول القائل: "أنعم فلان عليّ عام كذا فأروح
وأغدو شاكراً له". ولو قال: "فرحت وغدوت" لم يقع ذلك الموقع. وإنما لم ينصب { فتصبح }
جواباً للاستفهام لإيهام عكس ما هو المقصود لأنه يوهم نفي الاخضرار كما لو قلت
لصاحبك: الم تراني أنعمت عليك فتشكر. إن نصبته أو همت أنك نافٍ لشكره شاكٍ تفريطه
فيه، وإن رفعته فأنت مثبت لشكره بطريق الاستمرار ولا يبعد أن تكون هذه الآية إشارة إلى
دليل الإعادة كما في أول السورة وهذا قول أبي مسلم: { إن الله لطيف خبير } قال الكلبي:
لطيف في أفعاله خبير بأعمال خلقه، وقال مقاتل: لطيف باستخراج النبت خبير بكيفية
خلقه. وقال ابن عباس: لطيف بأرزاق عباده خبير بما في قلوبهم من القنوط وقد مر مثل
هذه في أواسط "الأنعام". ثم بين أن كل ما في السموات والأرض ملكه وملكه لاي متنع
شيء منها من تصرفاته، وهو غني عن كل ذلك وإنما خلقها لحاجة المكلفين إليها
ومن جملتها المطر والنبات خلقها رحمة للحيوانات وإنعاماً عليها. وإذا كان إنعامه خالياً عن
غرض عائد إليه كان مستحقاً للحمد بل هو حميد في ذاته وإن لم يحمده الحامدون.
التأويل: { وكأين من قرية } قالب { أهلكناها } بضيق الصدر وسوء الخلق واستيلاء
الغفلة. { وبئر معطلة } هي القلب الفارغ عن أعمال القوى الروحانية في طلب المعارف
والحقائق { وقصر مشيد } وهو الرأس الخالي عن نتائج الفكر الصافي والحواس السليمة
{ أفلم يسيروا } في أرض البشرية عابرين على منازل السالكين إلى أن يصلوا إلى مقام القلب
{ فتكون لهم قلوب يعقلون بها } الرحمن بذاته { أو آذان } قلوب { يسمعون بها } أقواله
أو أبصار بصائر يبصرون بها أفعاله. وإذا صح وصف القلب بالسمع والبصر صح وصفه بسائر
وجوه الإدراكات، فقد يدرك نسيم الإقبال بمشام السر كقوله "إني لأجد نفس الرحمن من
جانب اليمن" وكقول يعقوب { إني لأجد ريح يوسف } [يوسف: 94] { ولن يخلف الله
وعده } ليس خلفه في وعيد المؤمنين بخلف في الحقيقة لأنه تصديق قوله "سبقت رحمتي
غضبي" { وإن يوماً عند ربك كألف سنة } قيل: لأنه موجد الزمان وليس عنده صباح ولا
مساء فوجود الزمان وعدمه وكثرته وقلته سواء عنده والاستعجال وضده إنما يتصور في
المتزمنات قلت: ففيه أن الكل بإرادته وإن ما أراد الله فأسبابه متهيئة يحصل في يوم بإرادته
مالا يحصل في ألف سنة بحسب فرضنا وتقديرنا ومن هنا قيل: جذبة من جذبات الرحمن
توازي عمل الثقلين { أمليت لها } فيه انه تعالى يمهل ولنه لا يهمل { لهم مغفرة } أي ستر
فمنهم من يستر زلته، ومنهم من يستر عليه أعماله الصالحة صيانة له عن الملاحظة، ومنهم
من يستر عليه حاله لئلا يصيبه من الشهوة فتنة كما قيل:
لا تنكرن جحدي هواك فإنما ذاك الجحود عليك ستر مسبل
ومنهم من يستره بين أوليائه في باب العزة كما قال "أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم
غيري" ومنهم من يستر أنانيته بهويته فيقول أنا الحق وسبحاني. والرزق الكريم هو الخالي
عن شوائب الحدوث لأنه من القديم الكريم { إلا إذا تمنى } فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بل الولي لا يليق
به التمني بل ما على الرسول إلا البلاغ ولا على الولي إلا الرضا والتسليم، فلو بقي في
أحدهم أدنى ملاحظة لغير الله كالحرص على إيمان القوم فوق ما أمر به ابتلاه ببلاء مجال
الشيطان في أمنيته بقول أو بعمل، فتدركه العناية الأولية ويزيل الخاطر الشيطاني ويثبته على
الخاطر الرحماني، ولا يكون لدخان الفتنة تاثير في نور يقينه كما لا تأثير للضباب في شعاع
الشمس بخلاف من في قلبه ظلم الشبهات فإن ذلك الدخان يزيدها كدورة وريناً حتى تأتيه
ساعة سلب الاستعداد بالكلية، { أو يأتيهم عذاب يوم عقيم } هو الأبد لأنه لا ليل له وهو
عذاب قطيعة لا وصلى بعدها { والذين هاجروا } عن أوطان الطبيعة في طلب الحقيقة { ثم
قتلوا } بسيف الصدق والرياضة حتى تزكوا أنفسهم { أو ماتوا } عن أوصاف البشرية
{ ليرزقهم الله رزقاً حسناً } فرزق القلوب حلاوة العرفان. ورزق الأسرار مشاهدات
الجمال، ورزق الأرواح مكاشفات الجلال. { وإن الله لهو خير الرازقين } لأنه يرزق من
أوصاف ربوبيته كما قال صلى الله عليه وسلم "ابيت عند ربي يطعمني ويسقيني" { ومن عاقب } بالمجاهدة
نفسه { بمثل } ما عاقبت النفس بالمخالفة قلبه { ثم بغي عليه } أي غلبت النفس
على القلب باستيلاء صفاتها { لينصرنه الله } باستئصال النفس وتمحيق صفاتها { إن الله
لعفوّ } لما سلف { غفور } لما بقي في نفوس الطالبين من الأنانية. { يولج } ليل السر في
نهار التجلي وبالعكس، أو يولج ليل القبض في نهار البسط، أو ليل الهيبة في نهار الأنس
{ أنزل من } سماء القلب ماء الحكمة { فتصبح } أرض البشرية { مخضرة } بالشريعة وأرض
القلوب والأرواح والأسرار بالعلوم والكشوف والأنوار والله أعلم بالصواب.