قوله: { مصدقاً } حال معطوفة على قوله: { { إني قد جئتكم بآية } [آل عمران: 49]، لأن قوله { بآية }
في موضع الحال، وكان عيسى عليه السلام مصدقاً للتوراة متبعاً عاملاً بما فيها، قال وهب بن منبه: كان
يسبت ويستقبل بيت المقدس، وقال قتادة في تفسير قوله: { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم }، كان
الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى، وقال ابن جريج، أحل لكم لحوم الإبل والشحوم، قال
الربيع: وأشياء من السمك، وما لا صيصية له من الطير، وكان في التوراة محرمات تركها شرع عيسى على حالها، فلفظة "البعض" على هذا متمكنة، وقال أبو عبيدة: "البعض" في هذه الآية بمعنى الكل، وخطأه
الناس في هذه المقالة وأنشد أبو عبيدة شاهداً على قوله بيت لبيد: [الكامل]
ترَّاكُ أَمْكِنَةٍ إذا لمْ يَرْضَها أو يخترمْ بعضَ النفوسِ حِمامُها
وليست في البيت له حجة لأن لبيداً أراد نفسه فهو تبعيض صحيح، وذهب بعض المفسرين إلى أن
قوله تعالى: { حرم عليكم } إشارة إلى ما حرمه الأحبار بعد موسى وشرعوه، فكأن عيسى رد أحكام التوراة
"إلى حقائقها التي نزلت من عند الله تعالى، وقال عكرمة: "حرم عليكم" بفتح الحاء والراء المشددة، وإسناد
الفعل إلى الله تعالى أو إلى موسى عليه السلام، وقرأ الجمهور { وجئتكم بآية } وفي مصحف عبد الله بن
مسعود، "وجئتكم بآيات" من ربكم، وقوله تعالى: { فاتقوا الله وأطيعون } تحذير ودعاء إلى الله تعالى.
وقرأ جمهور الناس { إن الله ربي وربكم } بكسر الألف على استئناف الخبر، وقرأه قوم "أن الله ربي وربكم" بفتح الألف قال الطبري: "إن" بدل من "آية"، في قوله { جئتكم بآية }، وفي هذا ضعف وإنما
التقدير أطيعون، لأن الله ربي وربكم، أو يكون المعنى، لأن الله ربي وربكم فاعبدوه، وقوله { هذا صراط
مستقيم } إشارة إلى قوله: { إن الله ربي وربكم فاعبدوه }، وهو لأن ألفاظه جمع الإيمان والطاعات،
والصراط، الطريق، والمستقيم، الذي لا اعوجاج فيه.