التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ
٥٣
-الروم

تيسير التفسير

{ وما أنتَ بهاد العُمْي } عمى اعين الوجوه { عن ضلالتهم } عن ذهابهم عن الطريق المطلوب فى الارض بكلامك فى وصف الطريق لهم فيها، بل تهديهم بجبذك بيدك الى الطريق، والجبذ كالاكراه على الايمان، والله عز وجل امرهم بالايمان اختيارا، ولم يرد ان يخلق فيهم الايمان اجبارا، والحق ان الميت يسمع كلام الحى بان يرد اليه روحه لمن يشاء اذا شاء، لا بلا رد روح، ولا لكل وقت، ففى الصحيحين، عن انس، عن ابى طلحة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، نادى فى اربعة وعشرين يوم بدر فى طوى واحدة من اطواء بدر: "يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عبتة بن ربيعة أليس وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً فإني قد وجدت ما وعد ربي حقاً فقال عمر رضى الله عنه: يا رسول الله تكلم أجساداً لا روح لها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" زاد مسلم فى رواية عن انس: "ولكنهم لا يقدرون ان يجيبوا". والظاهر ان المراد ليس كما تقول يا عمر، بل ردت اليهم ارواحهم فسمعوا، والمشهور انهم سبعون القوا فى طوى واحدة، وفى رواية اقام على القليب فى اليوم الثالث، وفيه قتلى بدر فقال لهم ما مر، وقال: (انهم الان ليعلمون ما كنت اقول) واذا علموا بكلامه ما قال فقد سمعوا، وفى الصحيحين: "يسمع الميت قرع نعال أصحابه إذا دفنوه وانصرفوا عنه" وما ذاك الا لرجوع روحه اليه، او الى بعضه، ومن الموتى من يجنب، ومنهم من لا يجيب، كانت ام محجن تقم المسجد وماتت، ولم يعلم بها صلى الله عليه وسلم، فمر بقبر فقال: "لمن؟" قالوا: لأم محجن، فصلى عليها جماعة، فقال لها: "اى الاعمال وجدت افضل؟" فاجابته: قم المسجد اى ازالة قمامته، وهو ما لا يليق به من نحو وسخ واعواد وليقات، فقالوا: اتسمع؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنتم بأسمع منها"
). قال ابو هريرة: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب ابن عمير، وعلى اصحابه اذ رجع من احد، فقال: "أشهدكم أنهم أحياء عند الله تعالى فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلاَّ ردوا عليه إلى يوم القيامة" رواه البيهقى والحاكم، وعن ابن عباس، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلاَّ عرفه ورد عليه" رواه ابن عبد البر، وعبد الحق الاشبيلى، فمعنى: " { إنك لا تسمع الموتى } "[النمل: 80] لا تسمعهم بلا اسماع منى، ولا كل ميت، ولا كلما شئت، او اسماعا نافعا، وغير النافع كالعدم، او لا تهديهم كما قال:
{ إنْ تُسْمع إلاَّ من يؤمن باءياتنا فهُم مُسلمون } وقد علمت عدم خصوصيته صلى الله عليه وسلم لما علمت من وقوع ذلك لغيره ايضا، والاصل عدم التأويل، ويقال: يسمع الميت ويجيب حيا فى قبره سبعة من موته مؤمنا او كافرا، وقد يرد الروح الجواب، ويسمع وهو بين الميت وكفنه، وقد كثر آثار السمع والرد، وقد ورد انهما للزائر ليلة الجمعة ويومها، او بكرة السبت، اويوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت، بل يسمع السلام، يرد كل وقت سلم عليه، ولا نسمع ردهم، وما جاء فى الاثر انهم لا يطيقون الرد محمول على الرد الذي يسمع.