الصافي في تفسير كلام الله الوافي
{ (56) إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي
وَرَبِّكُم } تقرير له والمعنى وان بَذَلتم غاية وسعكم
لم تضرّوني فانّي متوكّل على الله واثق بكلامه
وهو مالكي ومالككم ولا يحيق بي ما لم يرده ولا
تقدرون على ما لم يقدّره { مَّا مِن دَآبَّةٍ إلاَّ هُوَ
ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } أي الا وهو مالك لها قاهر عليها
يصرفها على ما يريد بها والأخذ بالناصية تمثيل
لذلك { إنَّ رَبِّي عَلَى صرِاطٍ مُسْتَقِيمٍ } إنّه على
الحقّ والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته
ظالم.
العياشي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه
يعني أنّه على حق يجزي بالاحسان احساناً
وبالسّيء سيّئاً ويعفوا عمّن يشاء ويغفر سبحانه
وتعالى.
{ (57) فَإِن تَوَلَّوْا } فان تتولّوا { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ
أُرْسِلْتُ بِهِ إلَيْكُمْ } فقد أدّيت ما عليّ من الابلاغ
والزام الحجّة { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمَاً غَيْرَكُمْ }
وعيد لهم بالاهلاك والاستبدال { وَلاَ تَضُرُّونَهُ
شَيْئاً } بتولّيكم { إنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }
رقيبٌ فلا يخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن
مؤاخذتكم.
{ (58) وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ
ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ
غَلِيظٍ } تكرير لبيان ما نجّيهم عنه او المراد به
تنجيتهم من عذاب الآخرة ايضاً والتعريض بأن
المهلكين كما عذّبوا بالدنيا فهم معذّبون في
الآخِرة بالعذاب الغليظ.
{ (59) وَتِلْكَ عَادٌ جََحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } كفروا بها
{ وَعَصَواْ رُسُلَهُ } لأنّهم اذا عصوا رسولهم فقد
عصوا جميع رسل الله { وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ
عَنِيدٍ } يعني رؤساؤهم الدّعاة إلى تكذيب الرّسل.
{ (60) وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ }
أي جعلت اللعنة تابعةً لهم في الدارين تكبهم في
العذاب { أَلآَ إنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ ألاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ
هُودٍ } دعاء عليهم بالهلاك ودلالة بأنّهم كانوا
مستوجبين لما نزل بهم وفي تكرير ألا واعادة
ذكر عاد تفظيع لأمرهم وحثّهم على الإِعتبار
بحالهم والحذر من مثل أفعالهم وانّما قيل قوم
هود ليتميّزوا عن عاد ارِمَ.
القميّ إِنّ عاداً كانت بلادهم في البادية من
المشرق إلى الأجفر أربعة منازل وكان لهم زرع
ونخل كثير ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة
فعبَدُوا الأصنام وبعث الله إليهم هوداً يدعوهم إلى
الإِسلام وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود
وأذوه فكفّت السماء عنهم سبع سنين حتّى
قحطوا وكان هود زرّاعاً وكان يسقي الزّرع
فجاء قوم إِلى بابه يريدونه فخرجت عليهم امرأة
شمطاء عوراء فقالت من أنتم فقالوا نحن من
بلاد كذا وكذا أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله
أن يدعو الله حتى يمطر ويخصب بلادنا فقالت
لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه
لقلة الماءِ قالوا فأين هو قالت هو في موضع كذا
وكذا فجاؤا إليه فقالوا يا نبيّ الله قد أجدبت
بلادنا ولم يمطر فسل الله أن يخصب بلادنا
ويمطر فتهيّأ للصلاة وصلَّى ودعا لهم فقال لهم
ارجعُوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم فقالوا يا
نبيّ الله إنّا رأينا عجباً قال وما رأيتم قالوا رأينا
في منزلك امرأة شمطاء عوراء قالت لنا من أنتم
ومن تريدون فقلنا جئنا إلى هود ليدعو الله لنا
فنمطر فقالت لو كان هود داعياً لدعا لنفسه فانّ
زرعه قد احترق فقال هود ذاك أهلي وأنا أدعوا
الله لها بطول البقاء فقالوا وكيف ذلك قال لأنّه ما
خلق الله مؤمناً إلاّ وله عدوّ يؤذيه وهي عدوّي
فَلاَنَ يكون عدوّي ممّن أملكه خير من أن يكون
عدوّي ومّمن يملكني فبقي هود في قومه
يدعوهم الى الله وينهاهم عن عبادة الأصنام حتى
أخصبت بلادهم وأنزل الله عليهم المطر وهو
قوله عزّ وجلّ { يا قوم استغفروا ربّكم } الآيات
فلمّا لم يؤمنوا أرسل اللهُ عليهم الريح الصرصر { { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } [القمر: 18-19]
يعني الباردة وهو قوله تعالى في سورة القمر وحكي في سورة الحاقة فقال { { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [الحاقة: 6-7] سخّرها
عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّام حسوماً قال كان القمر منحوساً بزجل سبع ليال وثمانية أيّامٍ.
أقول: وقد سبق تمام بيان استيصالهم في سورة
الأعراف.