التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما أفاء الله على رسوله } شروع فى بيان حال ماأخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع وما موصولة مبتدأ وقوله { فما أوجفتم } خبره ويجوز جلعها شرطية وقوله { فما اوجفتم } جوابا والفيىء فى الاصل بمعنى الرجوع وافاء أعاد وارجع فهو على اصل معناه هنا والمعنى ما أعاده اليه من مالهم اى جعله عائدا ففيه اشعار بأنه كان حقيقا بأن يكون له عليه السلام وانما وقع فى أيديهم بغير حق فرجعه الله الى مستحقه لانه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به الى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين وهو عليه السلام رأسهم ورئيسهم وبه أطاع من أطاع فكان أحق به فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشىء الى ما فارق عنه وهو الاشهر ويجوز أن يكون معناه صيره له فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشىء الى مافارق عنه وان لم يكن ذلك التحول مسبوقا بالحصول له والحمل هنا على هذا المعنى لايحوج الى تكلف توجيه بخلاف الاول وكلمة على تؤيد الثانى وقال بعضهم أفاء الله مبنى على ان الفيىء الغنيمة فمعنى أفاء الله على رسوله جعله فيئا له خاصة وقال الراغب الفيىء والفيئة الرجوع الى حالة محمودة وقيل للغنيمة التى لايلحق فيها مشقة فيىء قال بعضهم سمى ذلك بالفيىء تشبيها بالفيىء الذى هو الظل تنبيها على ان أشرف اعراض الدنيا يجرى مجرى ظل زآئل والفئة الجماعة المتظاهرة التى يرجع بعضهم الى بعض فى التعاضد وقال المتطرزى فى المغرب فى الفرق بين الغنيمة والفيىء والنفل ان الغنيمة عن أبى عبيد ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة والفيىء مانيل منهم بعد ماتضع الحرب اوزارها وتصير الدار دار اسلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس والنفل ماينفله الغازى اى يعطاه زآئدا على سهمه وهو أن يقول الامام او الامير من قتل قتيلا فله سلبه او قال للسرية ما أصبتم فلكم ربعه او نصفه ولا يخمس وعلى الامام الوفاء به وعن على بن عيسى الغنيمة اعم من النفل والفيىء اعم من الغنيمة لانه اسم لكل ماصار للمسلمين من أموال أهل الشرك قال أبو بكر الرازى فالغنيمة فيىء والجزية فيىء ومال اهل الصلح فيىء والخراج فيىء لان ذلك كله مما أفاء الله على المسلمين من المشركين وعند الفقهاء كل مايحل أخذه من أموالهم فهو فيىء { منهم } اى بنى النضير { فما } نافية { اوجفتم عليه } اى فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف وهو سرعة السير يقال اوجفت البعير أسرعته وفى القاموس الوجيف ضرب من سير الخيل والابل وقيل اوجف فأعجب { من خيل } من زآئدة بعد النفى اى خيلا وهو جماعة الافراس لا واحدا له او واحده خائل لانه يختال والجمع اخيال وخيول كما فى القاموس وقال الراغب الخيلاء التكبر من تخيل فضيلة تترا أى للانسان من نفسه ومنها تتأول لفظة الخيل لما قيل انه لايركب أحد فرسا الا وجد فى نفسه نخوة والخيل فى الاصل اسم للافراس والفرسان جميعا قال تعالى { ومن رباط الخيل } ويستعمل فى كل واحد منهما منفردا نحو ماروى يا خيل الله اركبى فهذا للفرسان وقوله عليه السلام "عفوت لكم عن صدقة الخيل" يعنى الافراس انتهى والخيل نوعان عتيق وهجين فالعتيق ما أبواه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالامور المنقصة وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها ملك قط واذا ربط الفرس العتيق فى بيت لم يدخله شيطان والهجين الذى ابوه عربى وامه عجمية والفرق ان عظم البر ذونه اعظم من عظم الفرس وعظم الفرس اصلب وأثقل والبر ذونة احمل من الفرس والفرس أسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبر ذونة بمنزلة الشاة او الفرس برى المنامات كبنى آدم ولا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى له جسارة { ولاركاب } هى مايركب من الابل خاصة كما ان الراكب عندهم راكبها لاغير واما راكب الفرس فانهم يسمونه فارسا ولا واحد لها من لفظها وانما الواحدة منها راحلة قال فى المفردات الركوب فى الاصل كون الانسان على ظهر حيوان وقد يستعمل فى السفينة والراكب اختص فى التعارف بممتطى البعير جمعه ركب وركبان وركوب واختص الركاب بالمركوب والمعنى ما قطعتم ولها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالا شديدا وذلك وانه كانت قرى بنى النضير على ميلين من المدينة وهى ساعة واحدة بحساب الساعات النجومية فذهبوا اليها مشيا وما كان فيهم راكب الا النبى عليه السلام وكان يركب حمارا مخطوما بليف على ماسبق او جملا على ماقاله البعض فافتتحها صلحا من غير أن يجرى بينهم مسايفة كأنه قال ما أفاء الله على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } اى سنته تعالى جارية علىأن يسلطهم على من يشاء من اعدآئهم تسليطا خاصا وقد سلط النبى عليه السلام على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الخطوب وتقاسموا شدآئد الحروب فلا حق لكم فى اموالهم يعنى ان الامر فيه مفوض اليه يضعه حيث يشاء فلا يقسم قسمة الغنائم التى قوتل عليها واخذت عنوة وقهرا وذلك انهم طلبوا القسمة كخيبر فنزلت { والله على كل شىء قدير } فيفعل مايشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة واخرى على غيرها

تيغى آسمانش از فيض خود دهد آب تنها جهان بكيرد بى منت سباهى

اعلم ان الفيض الالهى الفائض من الله على ساحة قلب السالك على قسمين اما بالوهب المحض من خزانة اسمه الوهاب من غير تعمل من العامل فيه من ركض خيل النية الصالحة ومن سوق ركاب العمل الصالح من الفرآئض والنوافل فهو مقطوع الروابط من جانب السالك العامل فليس للسالك أن يضيف ذلك الفيض والوارد القلبى الى نفسه بوجه من الوجوه ولا الى الاعمال الصادرة منه بسبب الاعضاء والجوارح بل يتركه على صرافة الوهب الربانى وطراوة العطاء الامتنانى والآية الكريمة دالة على هذا القسم واما مشوب بتعمله فهو من خزانة اسمه الجواد فله أن يضيفه الى نفسه واعضائه وجوارحه ليظهر اثره عليها كلها والآية الثالثة الآتية تشير الى القسم الثانى وقد جمع بينهما قوله { لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم } فان الاول اشارة الى الاول والثانى الى الثانى وأراد برسوله رسول القلب وانما سمى القلب بالرسول لان الرسالة من حضرة الروح الى النفس الكافرة والهوى الظالم بدعوتهما الى الحق تعالى بالايمان والهدى