{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني: يخالف الله ورسوله، ويقال يخالف أمر الله وأمر رسوله. يعني أمر الله تعالى في الفرائض وأمر رسوله في السنن وفيما بيَّن. وقال الأخفش يحادد الله يعني يعادي الله ورسوله { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } قرأ بعضهم فَإِن له بالكسر على معنى الاستئناف. وقرأ العامة بالنصب على معنى البناء { خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْىُ ٱلْعَظِيمُ } يعني: العذاب الشديد قوله تعالى: { يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } قال الزجاج. قوله يحذر لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر. أي ليحذر المنافقون. ويقال هو على وجه الخبر يحذر. يعني: يخشى المنافقون. وذلك أن بعضهم قال لو أني جلدت مائة جلدة أحب إليّ من أن ينزل فينا شيء يفضحنا. فنزل { يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ } يعني سورة براءة { تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } من النفاق. وكانت سورة براءة تسمى الفاضحة. { قُلْ ٱسْتَهْزِءواْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } يعني مظهر ما تخافون من إظهار النفاق. ثم قال عز وجل: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } وذلك أن رسول الله - عليه السلام - حين رجع من تبوك وبين يديه هؤلاء الثلاثة يسيرون ويقولون إن محمداً يقول إنّه نزل في إخواننا الذين تخلفوا بالمدينة كذا وكذا وهم يضحكون ويستهزؤون. فأتاه جبريل فأخبره بذلك فبعث إليهم النبي - عليه السلام - عمار بن ياسر وقال له "اذهب إلى أولئك واسألهم عماذا يتحدثون ويضحكون" وأخبره أنهم يستهزؤون بالقرآن وأنه إذا أتاهم وسألهم يقولون إنّما كنا نخوض ونلعب. فلما جاء إليهم عمار بن ياسر قال لهم ما كنتم تقولون؟ قالوا إنما كنا نخوض ونلعب فيما يخوض فيه الركب إذا ساروا ونضحك بيننا. فقال عمار صدق الله وبلغ رسوله هكذا أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنكم تقولون ذلك. غضب الله عليكم هلكتم فعرفوا عند ذلك أنه نزل فيهم شيء فجاؤوا واعتذروا فنزل: { قُلْ } يعني: قل لهم يا محمد { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ } القرآن { وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } وقال قتادة إذا رأيا العبد يقول الله انظروا إلى عبدي يستهزىء قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون فجاؤوا إلى النبي واعتذروا فنزل قوله تعالى: { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } يعني: كفرتم في السر بعد إيمانكم في العلانية. (ويقال قد أقمتم على كفركم الأول في السر بعد إيمانكم مع إقراركم في العلانية) بالإيمان { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } وكان فيهم مخلص واحد، ولم يقل معهم شيئاً ولكن ضحك معهم فقال { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } وهو المؤمن المخلص { نُعَذّبْ طَائِفَةً } يعني المنافقين. وقال القتبي: قد يذكر الجماعة ويراد به الواحد كقوله { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } وهم المخلصون { نُعَذّبْ طَائِفَةً } وهم الطَيِّبَاتِ وأراد به النبي - عليه السلام - . ويقال { إن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } وهم المخلصون { نُعَذّبْ طَائِفَةً } وهم المنافقون { بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } يعني: مذنبين كافرين في السر. قرأ عاصم إنْ نَعْفُ بالنون نُعَذِّبْ بالنون وكسر الذال طائفةً بالنصب. وقرأ الباقون إنْ يَعْفُ بالياء والضم تُعَذَّب التاء ونصب الذال طائفةٌ بالضم على معنى فعل ما لم يسم فاعله. قوله تعالى: { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ... }