وقوله سبحانه: { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم }، روي أنه لَمَّا ودَّعوا أباهم، قال لهم: بَلِّغوا مَلِكَ مِصْر سَلاَمِي، وقولُوا له: إِنَّ أَبانا يصلِّي عليك، ويَدْعُو لك، ويَشْكُر صنيعك مَعَنَا، وفي كتاب أبي مَنْصُورٍ المهرانيِّ أنه خاطَبَه بكتابٍ قُرِىءَ على يوسف، فبكَى.
وقوله سبحانه: { مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا }: بمثابة قولهم: لم يكُنْ في ذلك دَفْعُ قَدَرِ اللَّه، بل كان أرَباً ليعقُوبَ قضاه، فالاستثناء ليس من الأولِ، والحاجةُ هي أنْ يكون طَيِّب النفْس بدخولهم من أبواب متفرِّقة؛ خَوْفَ العين، ونظير هذا الفعْلِ
" أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَدَّ كُوَّةً في قَبْرٍ بِحَجَرٍ، وقال: إِنَّ هَذَا لاَ يُغْنِي شَيْئاً، ولكِنَّهُ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِ الحَيِّ" ، ثم أثنى اللَّه عزَّ وجلَّ على يعقوب؛ بأنه لُقِّنَ ما علَّمه اللَّه من هذا المَعْنى، وأن أكثر الناس لَيْسَ كذلك، وقال قتادة: معناه: لَعَامِلٌ بما علَّمناه، وقال سفيان: من لا يعمل لاَ يَكُونُ عالماً. قال * ع *: وهذا لا يعطيه اللفْظُ، أمَّا أنَّه صحيحٌ في نفسه يرجِّحه المعنى وما تقتضيه منزلةُ يعقُوبَ عليه السلام.
وقوله: { إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ } قال ابنُ إِسحاق وغيره: أخبره بأنه أخوهُ حقيقةً، وٱستكْتَمَهُ، وقال له: لا تبال بكلِّ ما تراه من المَكْروه في تَحَيُّلي في أخْذِكَ منهم، وكان يَامِينُ شقيقَ يُوسُفَ.
وقوله: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }: يحتمل أنْ يشير إِلى ما عمله الإِخوة، ويحتمل الإِشارة إِلى ما يعمله فتيانُ يُوسُفَ من أمْرِ السقاية، ونحو ذلك، و{ تَبْتَئِسْ }: من البُؤْس، أي: لا تَحْزَنْ، ولا تَهْتَمَّ، وهكذا عَبَّر المفسِّرون.