وقوله جلَّت عظمته { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ... } الآية: عدَّد اللَّه سبحانه على بني آدم ما خصَّهم به من المزايا مِنْ بين سائر الحيوان، ومن أفضل ما أكْرَم به الآدِميَّ العقْلُ الذي به يعرفُ اللَّه تعالى، ويفهم كلامه، ويوصِّل إِلى نعيمه.
وقوله سبحانه: { عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا } المراد بـــ«الكثير المفضولِ» الحيوانُ والجنُّ، وأما الملائكة، فهم الخارجون عن الكثير المفضول، وليس في الآية ما يقتضي أن الملائكة أفضَلُ من الإِنسِ؛ كما زعمت فرقة؛ بل الأمر محتملٌ أنْ يكونوا أفضَلَ من الإِنس، ويحتمل التساوي.
وقوله سبحانه: { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } يحتمل أن يريد باسْمِ إِمامهم، فيقول: يا أمة محمَّد، ويا أتباع فِرْعَوْنَ، ونحو هذا، ويحتمل أن يريد: مع إِمامهم أنْ تجيء كل أمَّة معها إِمامها من هادٍ ومضلٍّ، واختلف في «الإمام»، فقال ابن عباس والحسن: كتابهم الذي فيه أعمالهم، وقال قتادة ومجاهد: نبيهم، وقال ابن زيد: كتابهم الذي نَزَلَ عليهم، وقالت فرقة: متَّبَعُهُمْ مِنْ هادٍ أو مُضِلٍّ، ولفظة «الإِمام» تعمُّ هذا كلَّه.
وقوله سبحانه: { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ }: حقيقةٌ في أن في القيامة صحائفَ تتطاير، وتوضعُ في الأيْمَان لأهل الأَيْمانَ، وفي الشمائل لأهل الكُفْر والخذلان، وتوضع في أيمان المذْنِبِين الذين يَنْفُذُ عليهم الوعيد، فيستفيدون منها أنهم غَيْرُ مخلَّدين في النار.
وقوله سبحانه: { يَقْرَءُونَ كِتَـٰبَهُمْ }: عبارةٌ عن السرور بها، أي: يردِّدونها ويتأمَّلونها.
وقوله سبحانه: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي: ولا أقلَّ، وقوله سبحانه: { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ }: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الإِشارة بـــ { هَـٰذِهِ } إلى الدنيا، أي: مَنْ كان في هذه الدارِ أعمى عن النظرِ في آيات اللَّه وعِبَرِه، والإِيمان بأنبيائه، فهو في الآخرة أعمى؛ على معنى أنه حيرانُ لا يتوجَّه لصوابٍ ولا يلوحُ له نُجْحٌ. قال مجاهد: فهو في الآخرةِ أعمى عن حُجَّته، ويحتمل أنْ يكون صفةَ تفضيلٍ، أي: أشدُّ عمًى وحيرةً؛ لأنه قد باشر الخَيْبة ورأى مخايل العذاب؛ ويقوِّي هذا التَّأويل قوله، عطفاً عليه: { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } الذي هو «أَفْعَلُ مِنْ كَذَا» والعمى في هذه الآية هو عَمَى القلب، وقولُ سِيَبَوَيْه: لا يقال أعمى مِنْ كَذَا، إِنما هو في عمى العينِ الذي لا تفاضُلَ فيه، وأما في عمى القْلبِ، فيقال ذلك؛ لأنه يقع فيه التفاضل * ت *: وكذا قال * ص * وقوله سبحانه: { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ... } الآية: الضمير في قوله: { كَادُواْ } هو لقريشٍ، وقيل: لثقيفٍ، فأما لقريش، فقال ابن جبير ومجاهد: نزلَتِ الآية، لأنهم قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ نَدَعُكَ تستلمُ الحَجَرَ الأسْوَدَ حتى تَمَسَّ أيضاً أوثانَنَا على معنى التشرُّع، وقال ابن إسحاق وغيره: إِنهم ٱجتمعوا إليه ليلةً، فعظَّموه، وقالوا له: أنْتَ سيِّدنا، ولكنْ أَقْبِلْ على بعض أمْرنا، ونُقْبِلُ على بعض أمرك، فنزلَتِ الآية في ذلك.
قال * ع *: فهي في معنى قوله:
{ { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم:9] وأما لثقيفٍ، فقال ابن عباس وغيره: لأنهم طلبوا من رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يؤخرهم بعد إِسلامهم سَنَةً يعبدون فيها اللاَّتَ، وقالوا: إِنما نريد أن نأخذ ما يُهْدَى لها ولكن إنْ خفْتَ أنْ تنكر ذلك عليك العربُ، فقل: أَوْحَى اللَّهُ ذلك إِلَيَّ، فنزلَتِ الآية في ذلك. * ت *: واللَّه أعلم بصحَّة هذه التأويلاتِ، وقد تقدَّم ما يجبُ اعتقاده في حَقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فالتزمه تُفْلِحْ. وقوله: { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }: توقيفٌ على ما نجاه اللَّه منه من مُخَالَّةِ الكفَّار، والولايةِ لهم.