التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

التحرير والتنوير

عُطِفَ على تفريع الأمر بالشكر على النعم أمر بطلب استمرار نعم الله تعالى عليه كما قال تعالى: { { لئن شكرتم لأزيدنكم } [إبراهيم: 7].

والرغبة: طلب حصول ما هو محبوب وأصله أن يعدى إلى المطلوب منه بنفسه ويعدى إلى الشيء المطلوب بــــ (في). ويقال: رغب عن كذا بمعنى صرَف رغبتهُ عنه بأن رغب في غيره وجُعل منه قوله تعالى: { { وترغبون أن تنكحوهن } [النساء: 127] بتقدير حرف الجر المحذوف قبل حرف (أنْ) هو حرف (عَن). وذلك تأويل عائشة أم المؤمنين كما تقدم في سورة النساء.

وأما تعدية فعل { فارغب } هنا بحرف { إلى } فلتضمينه معنى الإِقبال والتوجه تشبيهاً بسير السائر إلى من عنده حاجته كما قال تعالى عن إبراهيم: { { وقال إني ذاهب إلى ربي } [الصافات: 99].

وتقديم إلى { ربك } على { فارغب } لإِفادة الاختصاص، أي إليه لا إلى غيره تكون رغبتك فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق فلا يليق بصاحبها أن يرغب غير الله تعالى.

وحُذف مفعول «ارغب» ليعم كل ما يرغبه النبي صلى الله عليه وسلم وهل يرغب النبي إلا في الكمال النفساني وانتشار الدين ونصر المسلمين.

واعلم أن الفاء في قوله: { { فانصب } [الشرح: 7] وقوله: { فارغب } رابطة للفعل لأن تقديم المعمول يتضمن معنى الاشتراط والتقييد فإن تقديم المعمول لما أفاد الاختصاص نشأ منه معنى الاشتراط، وهو كثير في الكلام قال تعالى: { { بل الله فاعبد } [الزمر: 66] وقال: { { وربَّك فكبر وثيابَك فطهر والرجزَ فاهجر } [المدثر: 3 ـــ 5]، وفي تقديم المجرور قال تعالى: { { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [المطففين: 26] و "قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن سأل منه أن يَخرج للجهاد: ألكَ أبَوان؟ قال: نعم: فقال ففيهما فجاهد" . بل قد يعامل معاملة الشرط في الإِعراب كما روي قول النبي صلى الله عليه وسلم "كما تَكونُوا يُوَلَّ عليكم" بجزم الفعلين، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى: { { فبذلك فليفرحوا } في سورة يونس (58).

وذكر الطيبي عن «أمالي السيد» (يَعني ابنَ الشَجَري) أن اجتماع الفاء والواو هنا من أعجب كلامهم لأن الفاء تعطف أو تدخل في الجواب وما أشبَهَ الجوابَ بالاسم الناقص، أو في صلة الموصول الفعلية (لشبهها بالجواب)، وهي هنا خارجة عما وضعت له ا هــــ. ولا يبقى تعجب بعد ما قررناه.