التفاسير

< >
عرض

وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ
٨٨
-الزخرف

روح المعاني

بجر { قِيلِهِ } وهي قراءة عاصم وحمزة والسلمي وابن وثاب والأعمش. وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد والحسن وقتادة ومسلم بن جندب برفعه وهي قراءة شاذة. وقرأ الجمهور بنصبه. واختلف في التخريج فقيل الجر على عطفه على لفظ الساعة في قوله تعالى: { { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [الزخرف: 85] أي عنده علم قيله، والنصب على عطفه على محلها لأنها في محل نصب بعلم المضاف إليها فإنه كما قدمنا مصدر مضاف لمفعوله فكأنه قيل: يعلم الساعة ويعلم قيله، والرفع على عطفه على { عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } على حذف مضاف والأصل وعلم قيله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ونسب الوجه الأول لأبـي علي والثالث لابن جني وجميع الأوجه للزجاج وضمير { قِيلِهِ } عليها للرسول صلى الله عليه وسلم المفهوم من قوله تعالى: { { وَلَئِن سَأَلْتَهُم } [الزخرف: 87] والقيل والقال والقول مصادر جاءت بمعنى واحد، والمنادى وما في حيزه مقول القول، والكلام خارج مخرج التحسر والتحزن والتشكي من عدم إيمان أولئك القوم، وفي الإشارة إليهم بهؤلاء دون قوله قومي ونحوه تحقير لهم وتبر منهم لسوء حالهم. والمراد من إخباره تعالى بعلمه ذلك وعيده سبحانه إياهم، وقيل: الجر على إضمار حرف القسم والنصب على حذفه وإيصال فعله إليه محذوفاً والرفع على نحو لعمرك لأفعلن وإليه ذهب الزمخشري وجعل المقول { يٰرَبّ } وقوله سبحانه: { إِنَّ هَـؤُلآء } الخ جواب القسم على الأوجه الثلاثة وضمير { قِيلِهِ } كما سبق، والكلام إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون وإقسامه سبحانه عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: يا رب لرفع شأنه عليه الصلاة والسلام وتعظيم دعائه والتجائه إليه تعالى، والواو عنده للعطف أعني عطف الجملة القسمية على الجملة الشرطية لكن لما كان القسم بمنزلة الجملة الاعتراضية صارت الواو كالمضمحل عنها معنى العطف، وفيه أن الحذف الذي تضمنه تخريجه من ألفاظ شاع استعمالها في القسم كعمرك وأيمن الله واضح الوجه على الأوجه الثلاثة، وأما في غيرها كالقيل هنا فلا يخلو عن ضعف. وقيل: الجر على أن الواو واو قسم والجواب محذوف أي لننصرنه أو لنفعلن بهم ما نشاء حكاه في «البحر» وهو كما ترى.

وقيل: النصب على العطف على مفعول يكتبون المحذوف أي يكتبون أقوالهم / وأفعالهم وقيله يا رب الخ وليس بشيء، وقيل: هو على العطف على مفعول { يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 86] أعني الحق أي يعلمون الحق وقيل الخ، وهو قول لا يكاد يعقل، وعن الأخفش أنه على العطف على { { سِرَّهُمْ وَنَجْوٰهُم } [الزخرف: 80] ورد بأنه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بما لا يحسن اعتراضاً ومع تنافر النظم. وتعقب أن ما ذكر من الفصل ظاهر وأما ضعف المعنى وتنافر النظم فغير مسلم لأن تقديره أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وأنا لا نسمع قيله الخ وهو منتظم أتم انتظام، وعنه أيضاً أنه على إضمار فعل من القيل ناصب له على المصدرية والتقدير قال قيله ويؤيده قراءة ابن مسعود { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ } والجملة معطوفة على ما قبلها. ورد بأنه لا يظهر فيه ما يحسن عطفه على الجملة قبله وليس التأكيد بالمصدر في موقعه ولا ارتباط لقوله تعالى: { فَٱصْفَحِ } [الزخرف: 89] به.

وقال العلامة الطيبـي: في توجيهه إن قوله تعالى: { { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [الزخرف: 87] تقديره وقلنا لك: ولئن سألتهم الخ وقلت: يا رب يأساً من إيمانهم وإنما جعل غائباً على طريق الالتفات لأنه كأنه صلى الله عليه وسلم فاقد نفسه للتحزن عليهم حيث لم ينفع فيهم سعيه واحتشاده، وقيل: الواو على هذا الوجه للحال وقال بتقدير قد والجملة حالية أي فأنى يؤفكون وقد قال الرسول يا رب الخ، وحاصله فأنى يؤفكون وقد شكا الرسول عليه الصلاة والسلام إصرارهم على الكفر وهو خلاف الظاهر، وقيل: الرفع على الابتداء والخبر { يٰرَبّ } إلى { لاَّ يُؤْمِنُونَ } أو هو محذوف أي مسموع أو متقبل فجملة النداء وما بعده في موضع نصب بقيله والجملة حال أو معطوفة، ولا يخفى ما في ذلك.

والأوجه عندي ما نسب إلى الزجاج، والاعتراض عليه بالفصل هين، وبضعف المعنى والتنافر غير مسلم، ففي «الكشف» بعد ذكر تخريج الزجاج الجر أن الفاصل أعني من قوله تعالى: { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [الزخرف: 85] إلى { يُؤْفَكُونَ } [الزخرف: 87] يصلح اعتراضاً لأن قوله سبحانه { { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [الزخرف: 85] مرتبط بقوله تعالى: { { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [الزخرف: 83] على ما لا يخفى. والكلام مسوق للوعيد البالغ بقوله تعالى: { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [الزخرف: 85] إلى قوله عز وجل: { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 68] متصل بقوله تعالى: { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [الزخرف: 85] اتصال العصا بلحاها، وقوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } خطاب لمن يتأتى منه السؤال تتميم لذلك الكلام باستحقاقهم ما أوعدوه لعنادهم البالغ، ومنه يظهر وقوع التعجب في قوله سبحانه: { فَأَنّى يُؤْفَكُونَ } وعلى هذا ظهر ارتباط وعلم قيله بقوله تعالى: { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } وأن الفاصل متصل بهما اتصالاً يجل موقعه، ومن هذا التقرير يلوح أن ما ذهب إليه الزجاج في الأوجه الثلاثة حسن، ولك أن ترجحه على ما ذهب إليه الأخفش بتوافق القراءتين، وأن حمل { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } على الخطاب المتروك إلى غير معين أوفق بالمقام من حمله على خطابه عليه الصلاة والسلام وسلامته من إضمار القول قبل قوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } مع أن السياق غير ظاهر الدلالة عليه اهـ، وهو أحسن ما رأيته للمفسرين في هذا المقام.

وقرأ أبو قلابة { يا رب } بفتح الباء ووجه ظاهر.