قوله عز وجل { وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ } أي استجيبوا وأطيعوا سميت الطاعة والإِجابة سمعاً على المجاورة لأنه سبب للطاعة والإِجابة { قَالُواْ سَمِعْنَا } قَولك { وَعَصَيْنَا } أمرك، وقيل: سمعنا بالآذان وعصينا بالقلوب، قال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوا وتلقوه بالعصيان فنسب ذلك إلى القول اتساعاً
{ وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } أي: حب العجل, أي معناه: أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها، كإشراب اللون لشدة الملازمة يقال: فلان مشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحُمرة، وفي القصص: أن موسى أمر أن يُبْرَد العجل بالمبرد ثم يَذُرّه في النهر وأمرهم بالشرب منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه. قوله عز وجل { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَـانُكُمْ } أن تعبدوا العجل من دون الله أي بئس إيمان يأمركم بعبادة العجل { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } بزعمكم، وذلك أنهم قالوا: (نؤمن بما أنزل علينا) فكذبهم الله عز وجل.
قوله تعالى { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ } وذلك أن اليهود ادعوا دعاوى باطلة مثل قولهم
{ { لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80] { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـارَى } [البقرة: 111] وقولهم: { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] فكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال: قل لهم يا محمد (إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله) يعني الجنة عند الله { خَالِصَةً } أي خاصة { مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ } أي فأريدوه أو اسألوه لأن من علم أن الجنة مأواه حنَّ إليها ولا سبيل إلى دخولها إلا بعد الموت فاستعجلوه بالتمني { إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ } في قولكم، وقيل: فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة. وروي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو تمنوا الموت لغَصَّ كل انسان منهم بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات" .