التفاسير

< >
عرض

صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ
٧
-الفاتحة

جامع البيان في تفسير القرآن

وقوله:{ صِرَاطَ الذينَ أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } إبـانة عن الصراط الـمستقـيـم أيّ الصراط هو، إذ كان كل طريق من طرق الـحقّ صراطاً مستقـيـماً، فقـيـل لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد: اهدنا يا ربنا الصراط الـمستقـيـم، صراط الذين أنعمت علـيهم، بطاعتك وعبـادتك من ملائكتك، وأنبـيائك، والصديقـين، والشهداء، والصالـحين. وذلك نظير ما قال ربنا جل ثناؤه فـي تنزيـله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } }

[النساء: 66-69] قال أبو جعفر: فـالذي أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن يسألوه ربهم من الهداية للطريق الـمستقـيـم، هي الهداية للطريق الذي وصف الله جل ثناؤه صفته. وذلك الطريق هو طريق الذين وصفهم الله بـما وصفهم به فـي تنزيـله، ووعد من سَلَكه فـاستقام فـيه طائعاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أن يورده مواردهم، والله لا يخـلف الـميعاد. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن ابن عبـاس وغيره.

حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يقول: طريق من أنعمت علـيـم بطاعتك وعبـادتك من الـملائكة والنبـيـين والصديقـين والشهداء والصالـحين، الذين أطاعوك وعبدوك.

وحدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: أخبرنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر عن ربـيع:{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال: النبـيون.

وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس:{ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال: الـمؤمنـين.

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: قال وكيع{ أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ }: الـمسلـمين.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد فـي قول الله:{ صِرَاطَ الذِينَ أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } قال: النبـي صلى الله عليه وسلم ومن معه.

قال أبو جعفر: وفـي هذه الآية دلـيـل واضح علـى أن طاعة الله جل ثناؤه لا ينالها الـمطيعون إلا بإنعام الله بها علـيهم وتوفـيقه إياهم لها. أوَ لا يسمعونه يقول: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فأضاف كل ما كان منهم من اهتداء وطاعة وعبـادة إلـى أنه إنعام منه علـيهم؟

فإن قال قائل: وأين تـمام هذا الـخبر، وقد علـمت أن قول القائل لآخر: أنعمت علـيك، مقتض الـخبر عما أنعم به علـيه، فأين ذلك الـخبر فـي قوله:{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } وما تلك النعمة التـي أنعمها علـيهم؟ قـيـل له: قد قدمنا البـيان فـيـما مضى من كتابنا هذا عن اجتزاء العرب فـي منطقها ببعض من بعض إذا كان البعض الظاهر دالاًّ علـى البعض البـاطن وكافـياً منه، فقوله:{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } من ذلك لأن أمر الله جل ثناؤه عبـاده بـمسألته الـمعونة وطلبهم منه الهداية للصراط الـمستقـيـم لـما كان متقدماً قوله:{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } الذي هو إبـانة عن الصراط الـمستقـيـم، وإبدالٌ منه، كان معلوماً أن النعمة التـي أنعم الله بها علـى من أمرنا بـمسألته الهداية لطريقهم هو الـمنهاج القويـم والصراط الـمستقـيـم الذي قد قدمنا البـيان عن تأويـله آنفـاً، فكان ظاهر ما ظهر من ذلك مع قرب تـجاور الكلـمتـين مغنـياً عن تكراره كما قال نابغة بنـي ذبـيان:

كأنكَ منْ جِمالِ بَنـي أُقَـيْشٍيُقْعْقَعُ خَـلْفَ رِجْلَـيْهِ بِشَنِّ

يريد كأنك من جمال بنـي أقـيش جمل يقعقع خـلف رجلـيه بشنّ، فـاكتفـى بـما ظهر من ذكر الـجمال الدال علـى الـمـحذوف من إظهار ما حذف. وكما قال الفرزدق بن غالب:

تَرَى أرْبـاقَهُمْ مُتَقَلِّدِيهاإذَا صَدِىءَ الـحَديدُ علـى الكُماةِ

يريد: متقلديها هم، فحذف «هم» إذ كان الظاهر من قوله: «أربـاقهم» دالاًّ علـيها.

والشواهد علـى ذلك من شعر العرب وكلامها أكثر من أن تـحصى، فكذلك ذلك فـي قوله:{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم }.

قال أبو جعفر: والقراء مـجمعة علـى قراءة «غير» بجرّ الراء منها. والـخفض يأتـيها من وجهين: أحدهما أن يكون غير صفة للذين ونعتا لهم فتـخفضها، إذ كان «الذين» خفضاً وهي لهم نعت وصفة وإنـما جاز أن يكون «غير» نعتا «للذين»، و«الذين» معرفة وغير نكرة لأن «الذين» بصلتها لـيست بـالـمعرفة الـمؤقتة كالأسماء التـي هي أمارات بـين الناس، مثل: زيد وعمرو، وما أشبه ذلك وإنـما هي كالنكرات الـمـجهولات، مثل: الرجل والبعير، وما أشبه ذلك فلما كان «الذين» كذلك صفتها، وكانت غير مضافة إلـى مـجهول من الأسماء نظير «الذين» فـي أنه معرفة غير مؤقتة كما «الذين» معرفة غير مؤقتة، جاز من أجل ذلك أن يكون: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } نعتاً لـ { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } كما يقال: لا أجلس إلا إلـى العالـم غير الـجاهل، يراد: لا أجلس إلا إلـى من يعلـم، لا إلـى من يجهل. ولو كان الذين أنعمت علـيهم معرفة مؤقتة كان غير جائز أن يكون { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } لها نعتاً، وذلك أنه خطأ فـي كلام العرب إذا وصفت معرفة مؤقتة بنكرة أن تلزم نعتها النكرة إعراب الـمعرفة الـمنعوت بها، إلا علـى نـية تكرير ما أعرب الـمنعوت بها. خطأٌ فـي كلامهم أن يقال: مررت بعبد الله غير العالـم، فتـخفض «غير» إلا علـى نـية تكرير البـاء التـي أعربت عبد الله، فكان معنى ذلك لو قـيـل كذلك: مررت بعبد الله، مررت بغير العالـم. فهذا أحد وجهي الـخفض فـي:{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم }.

والوجه الآخر من وجهي الـخفض فـيها أن يكون «الذين» بـمعنى الـمعرفة الـمؤقتة. وإذا وجه إلـى ذلك، كانت غير مخفوضة بنـية تكرير الصراط الذي خفض الذين علـيها، فكأنك قلت: صراط الذين أنعمت علـيهم صراط غير الـمغضوب علـيهم.

وهذان التأويلان فـي غير الـمغضوب علـيهم، وإن اختلفـا بـاختلاف معربـيهما، فإنهما يتقارب معناهما من أجل أن من أنعم الله علـيه فهداه لدينه الـحق فقد سلـم من غضب ربه ونـجا من الضلال فـي دينه، فسواءٌ إذ كان سامع قوله:{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } غير جائز أن يرتاب مع سماعه ذلك من تالـيه فـي أن الذين أنعم الله علـيهم بـالهداية للصراط، غير غاضب ربهم علـيهم مع النعمة التـي قد عظمت منته بها علـيهم فـي دينهم، ولا أن يكونوا ضلالاً وقد هداهم للـحق ربهم، إذْ كان مستـحيلاً فـي فطرهم اجتـماع الرضا من الله جل ثناؤه عن شخص والغضب علـيه فـي حال واحدة واجتـماع الهدى والضلال له فـي وقت واحد وُصِف القوم مع وصف الله إياهم بـما وصفهم به من توفـيقه إياهم وهدايته لهم وإنعامه علـيهم بـما أنعم الله به علـيهم فـي دينهم بأنهم غير مغضوب علـيهم ولا هم ضالون، أم لـم يوصفوا بذلك لأن الصفة الظاهرة التـي وصفوا بها قد أنبأت عنهم أنهم كذلك وإن لـم يصرّح وصفهم به. هذا إذا وجهنا «غير» إلـى أنها مخفوضة علـى نـية تكرير الصراط الـخافض الذين، ولـم نـجعل غير الـمغضوب علـيهم ولا الضالـين من صفة الذين أنعمت علـيهم بل إذا جعلناهم غيرهم وإن كان الفريقان لا شك مُنْعَماً علـيهما فـي أديانهما. فأما إذا وجهنا: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } إلـى أنها من نعت الذين أنعمت علـيهم فلا حاجة بسامعه إلا الاستدلال، إذْ كان الصريح من معناه قد أغنى عن الدلـيـل، وقد يجوز نصب «غير» فـي غير الـمغضوب علـيهم وإن كنت للقراءة بها كارهاً لشذوذها عن قراءة القراء. وإن ما شذّ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلاً ظاهراً مستفـيضاً، فرأي للـحق مخالف وعن سبـيـل الله وسبـيـل رسوله صلى الله عليه وسلم وسبـيـل الـمسلـمين متـجانف، وإن كان له لو كانت القراءة جائزة به فـي الصواب مخرج.

وتأويـل وجه صوابه إذا نصبتَ: أن يوجه إلـى أن يكون صفة للهاء والـميـم اللتـين فـي «علـيهم» العائدة علـى «الذين»، لأنها وإن كانت مخفوضة ب«علـى»، فهي فـي مـحل نصب بقوله: «أنعمت». فكأن تأويـل الكلام إذا نصبت «غير» التـي مع «الـمغضوب علـيهم»: صراط الذين هديتهم إنعاما منك علـيهم غير مغضوب علـيهم، أي لا مغضوبـاً علـيهم ولا ضالـين. فـيكون النصب فـي ذلك حينئذٍ كالنصب فـي «غير» فـي قولك: مررت بعبد الله غير الكريـم ولا الرشيد، فتقطع غير الكريـم من عبد الله، إذ كان عبد الله معرفة مؤقتة وغير الكريـم نكرة مـجهولة.

وقد كان بعض نـحويـي البصريـين يزعم أن قراءة من نصب «غير» فـي غير الـمغضوب علـيهم علـى وجه استثناء غير الـمغضوب علـيهم من معانـي صفة الذين أنعمت علـيهم، كأنه كان يرى أن معنى الذين قرءوا ذلك نصبـاً: اهدنا الصراط الـمستقـيـم صراط الذين أنعمت علـيهم إلا الـمغضوب علـيهم الذين لـم تنعم علـيهم فـي أديانهم ولـم تهدهم للـحق، فلا تـجعلنا منهم كما قال نابغة بنـي ذبـيان:

وَقَـفْتُ فـيها أُصَيْلالاً أُسائلُهاأعْيَتْ جَوَابـاً وَما بـالرَّبْع منْ أحَدِ
إِلاَّ أَوَارِيَّ لأيامَاً أُبَـيِّنُهاوالنُّؤيُ كالـحَوْضِ بـالـمَظْلُومَةِ الـجَلَدِ

وأَلاواري معلوم أنها لـيست من عداد أحد فـي شيء. فكذلك عنده استثنى { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } من { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }، وإن لـم يكونوا من معانـيهم فـي الدين فـي شيء.

وأما نـحويو الكوفـيـين فأنكروا هذا التأويـل واستـخطئوه، وزعموا أن ذلك لو كان كما قاله الزاعم من أهل البصرة لكان خطأ أن يقال:{ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } لأن «لا» نفـي وجحد، ولا يعطف بجحد إلا علـى جحد وقالوا: لـم نـجد فـي شيء من كلام العرب استثناء يعطف علـيه بجحد، وإنـما وجدناهم يعطفون علـى الاستثناء بـالاستثناء، وبـالـجحد علـى الـجحد فـيقولون فـي الاسثتناء: قام القوم إلا أخاك وإلا أبـاك وفـي الـجحد: ما قام أخوك، ولا أبوك وأما قام القوم إلا أبـاك ولا أخاك، فلـم نـجده فـي كلام العرب قالوا: فلـما كان ذلك معدوماً فـي كلام العرب وكان القرآن بأفصح لسان العرب نزوله، علـمنا إذ كان قوله:{ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } معطوفـاً علـى قوله: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ } علـيهم أن «غير» بـمعنى الـجحد لا بـمعنى الاستثناء، وأن تأويـل من وجهها إلـى الاستثناء خطأ. فهذه أوجه تأويـل غير الـمغضوب علـيهم. بـاختلاف أوجه إعراب ذلك.

وإنـما اعترضنا بـما اعترضْنا فـي ذلك من بـيان وجوه إعرابه، وإن كان قصدنا فـي هذا الكتاب الكشف عن تأويـل آي القرآن، لـما فـي اختلاف وجوه إعراب ذلك من اختلاف وجوه تأويـله، فـاضطرّتنا الـحاجة إلـى كشف وجوه إعرابه، لتنكشف لطالب تأويـله وجوه تأويـله علـى قدر اختلاف الـمختلفة فـي تأويـله وقراءته.

والصواب من القول فـي تأويـله وقراءته عندنا القول الأول، وهو قراءة: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } بخفض الراء من «غير» بتأويـل أنها صفة للذين أنعمت علـيهم ونعت لهم لـما قد قدمنا من البـيان إن شئت، وإن شئت فبتأويـل تكرار «صراط» كل ذلك صواب حسن.

فإن قال لنا قائل: فمن هؤلاء الـمغضوب علـيهم الذين أمرنا الله جل ثناؤه بـمسألته أن لا يجعلنا منهم؟ قـيـل: هم الذين وصفهم الله جل ثناؤه فـي تنزيـله فقال: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 60] فأعلـمنا جل ذكره بـمنه ما أحلّ بهم من عقوبته بـمعصيتهم إياه، ثم علـمنا، مِنَّةً منه علـينا، وجه السبـيـل إلـى النـجاة، من أن يحل بنا مثل الذي حلّ بهم من الـمَثُلات، ورأفة منه بنا.

فإن قال: وما الدلـيـل علـى أنهم أولاء الذين وصفهم الله وذكر نبأهم فـي تنزيـله علـى ما وصفت قـيـل:

حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقـي، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي، عن عديّ بن حاتـم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الـمَغْضُوبُ عَلَـيْهِمْ: الـيَهُودُ" .

وحدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عبـاد بن حبـيش يحدّث عن عديّ بن حاتـم قال: قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الـمَغْضُوبُ عَلَـيْهِمْ: الـيَهُودُ" .

وحدثنـي علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب، عن حماد بن سلـمة، عن سماك بن حرب، عن مُرِّي بن قَطَري، عن عدي بن حاتـم قال: سألت النبـي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } قال: "هُمُ الـيَهُودُ" .

وحدثنا حميد بن مسعدة الشامي، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا الـجريري عن عبد الله بن شقـيق: أن رجلاً أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مـحاصرٌ وادي القرى فقال: من هؤلاء الذين تـحاصر يا رسول الله؟ قال: "هَولاءِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ: الـيَهُودُ" .

وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن عروة، عن عبد الله بن شقـيق، أن رجلاً أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نـحوه.

وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن بديـل العقـيـلـي، قال: أخبرنـي عبد الله بن شقـيق أنه أخبره من سمع النبـي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو علـى فرسه وسأله رجل من بنـي القـين، فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: "الـمَغْضُوبُ عَلَـيْهِمْ" .

وأشار إلـى الـيهود.

وحدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن خالد الـحذاء، عن عبد الله بن شقـيق، أن رجلاً سأل النبـي صلى الله عليه وسلم، فذكر نـحوه.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { غيرِ الـمَغُضُوبِ عَلَـيْهِمْ } يعنـي الـيهود الذين غضب الله علـيهم.

وحدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي، قال: حدثنا عمرو بن طلـحة، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم:{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } هم الـيهود.

وحدثنا ابن حميد الرازي، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن مـجاهد، قال:{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } قال: هم الـيهود.

حدثنا أحمد بن حازم الغفـاري، قال: حدثنا عبد الله، عن أبـي جعفر، عن ربـيع:{ غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } قال: الـيهود.

وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس:{ غيرٍ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } قال: الـيهود.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد:{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } الـيهود.

وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنـي ابن زيد، عن أبـيه، قال:{ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } الـيهود.

قال أبو جعفر: واختلف فـي صفة الغضب من الله جل ذكره فقال بعضهم: غضب الله علـى من غضب علـيه من خـلقه إحلالُ عقوبته بـمن غضب علـيه، إما فـي دنـياه، وإما فـي آخرته، كما وصف به نفسه جل ذكره فـي كتابه فقال: { { فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } [الزخرف: 55] وكما قال: { { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } [المائدة: 60] وقال بعضهم: غضب الله علـى من غضب علـيه من عبـاده ذمّ منه لهم ولأفعالهم، وشتـم منه لهم بـالقول. وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معانـي الغضب. غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبـات، فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميـين الذين يزعجهم ويحركهم ويشقّ علـيهم ويؤذيهم لأن الله جل ثناؤه لا تـحل ذاته الآفـات، ولكنه له صفة كما العلـم له صفة، والقدرة له صفة علـى ما يعقل من جهة الإثبـات، وإن خالفت معانـي ذلك معانـي علوم العبـاد التـي هي معارف القلوب وقواهم التـي توجد مع وجود الأفعال وتُعدم مع عدمها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ وَلا الضَّالِـينَ }.

قال أبو جعفر: كان بعض أهل البصرة يزعم أن «لا» مع «الضالـين» أدخـلت تتـميـماً للكلام والـمعنى إلغاؤها، ويستشهد علـى قـيـله ذلك ببـيت العجاج:

فـي بِئْرٍ لا حُورٍ سَرَى وَما شَعَرْ

ويتأوله بـمعنى: فـي بئر حُورٍ سَرَى، أي فـي بئر هلكة، وأنّ «لا» بـمعنى الإلغاء والصلة. ويعتل أيضاً لذلك يقول أبـي النـجم:

فَمَا ألُوم البِـيضَ أنْ لا تَسْخَرَالَـمَّا رأيْنَ الشَّمَطَ القَـفَنْدَرَا

وهو يريد: فما ألوم البـيض أن تسخر. وبقول الأحوص:

ويَـلْـحَيْنَنِـي فـي اللَّهْوِ أنْ لا أحِبَّهُولَلَّهْوِ داعٍ دائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ

يريد: ويـلـحينَنـي فـي اللهو أن أحبه. وبقوله تعالـى: ما مَنَعَكَ أنْ لا تَسْجُدَ يريد أن تسجد. وحكي عن قائل هذه الـمقالة أنه كان يتأول «غير» التـي «مع الـمغضوب علـيهم» أنها بـمعنى «سوى»، فكأن معنى الكلام كان عنده: اهدنا الصراط الـمستقـيـم صراط الذين أنعمت علـيهم الذين هم سوى الـمغضوب علـيهم والضالـين.

وكان بعض نـحويـي الكوفة يستنكر ذلك من قوله، ويزعم أن «غير» التـي «مع الـمغضوب علـيهم» لو كانت بـمعنى «سوى» لكان خطأ أن يعطف علـيها ب«لا»، إذ كانت «لا» لا يعطف بها إلا علـى جحد قد تقدمها، كما كان خطأ قول القائل: عندي سوى أخيك، ولا أبـيك لأن «سوى» لـيست من حروف النفـي والـجحود ويقول: لـما كان ذلك خطأ فـي كلام العرب، وكان القرآن بأفصح اللغات من لغات العرب، كان معلوما أن الذي زعمه القائل أن «غير مع الـمغضوب» علـيهم بـمعنى: «سوى الـمغضوب علـيهم» خطأ، إذ كان قد كرّ علـيه الكلام ب«لا». وكان يزعم أن «غير» هنالك إنـما هي بـمعنى الـجحد، إذ كان صحيحاً فـي كلام العرب وفـاشياً ظاهراً فـي منطقها توجيه «غير» إلـى معنى النفـي ومستعملاً فـيهم: أخوك غير مـحسن ولا مـجمل، يراد بذلك أخوك لا مـحسن، ولا مـجمل، ويستنكر أن تأتـي «لا» بـمعنى الـحذف فـي الكلام مبتدأً ولـمّا يتقدمها جحد، ويقول: لو جاز مـجيئها بـمعنى الـحذف مبتدأ قبل دلالة تدل علـى ذلك من جحد سابق، لصح قول قائل قال: أردت أن لا أكرم أخاك، بـمعنى: أردت أن أكرم أخاك. وكان يقول: ففـي شهادة أهل الـمعرفة بلسان العرب علـى تـخطئه قائل ذلك دلالة واضحة علـى أن «لا» لا تأتـي مبتدأة بـمعنى الـحذف، ولـمّا يتقدمها جحد. وكان يتأول فـي «لا» التـي فـي بـيت العجاج الذي ذكرنا أن البصري استشهد به بقوله إنها جحد صحيح، وأن معنى البـيت: سرى فـي بئر لا تُـحِيرُ علـيه خيرا، ولا يتبـين له فـيها أثرُ عمل، وهو لا يشعر بذلك ولا يدري به. من قولهم: طحنت الطاحنة فما أحارت شيئاً أي لـم يتبـين لها أثر عمل. ويقول فـي سائر الأبـيات الأخر، أعنـي مثل بـيت أبـي النـجم:

فَمَا ألُومُ البِـيضَ أنْ لا تَسْخَرَا

إنـما جاز أن تكون «لا» بـمعنى الـحذف، لأن الـجحد قد تقدمها فـي أول الكلام، فكان الكلام الآخر مواصلاً للأول، كما قال الشاعر:

ما كانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُوَالطَّيِّبـان أبُو بَكْرٍ وَلا عُمَرُ

فجاز ذلك، إذ كان قد تقدم الـجحد فـي أول الكلام.

قال أبو جعفر: وهذا القول الآخر أولـى بـالصواب من الأول، إذ كان غير موجود فـي كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه ب«لا» التـي معناها الـحذف، ولا جائز العطف بها علـى «سوى»، ولا علـى حرف الاستثناء. وإنـما ل«غير» فـي كلام العرب معان ثلاثة: أحدها الاستثناء، والآخر الـجحد، والثالث سوى، فإذا بطل خطأ «لا» أن يكون بـمعنى الإلغاء مبتدأ وفسد أن يكون عطفـاً علـى «غير» التـي مع «الـمغضوب علـيهم»، لو كانت بـمعنى «إلا» التـي هي استثناء، ولـم يجز أيضاً أن يكون عطفـاً علـيها لو كانت بـمعنى «سوى»، وكانت «لا» موجودة عطفـاً بـالواو التـي هي عاطفة لها علـى ما قبلها، صحّ وثبت أن لا وجه ل«غير» التـي مع «الـمغضوب علـيهم» يجوز توجيهها إلـيه علـى صحة إلا بـمعنى الـجحد والنفـي، وأن لا وجه لقوله: «ولا الضالـين»، إلا العطف علـى «غير الـمغضوب علـيهم». فتأويـل الكلام إذا إذ كان صحيحاً ما قلنا بـالذي علـيه استشهدنا: اهدنا الصراط الـمستقـيـم صراط الذين أنعمت علـيهم لا الـمغضوب علـيهم ولا الضالـين.

فإن قال لنا قائل: ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بـالاستعاذة بـالله أن يسلك بنا سبـيـلهم، أو نضل ضلالهم؟ قـيـل: هم الذين وصفهم الله فـي تنزيـله، فقال: { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائده: 77] فإن قال: وما برهانك علـى أنهم أولاء؟ قـيـل:

حدثنا أحد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي، عن عديّ بن أبـي حاتـم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ ولا الضَّالِّـينَ } قال: "النَّصارى" .

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، أنبأنا مـحمد بن جعفر، أنبأنا شعبة عن سماك، قال: سمعت عبـاد بن حبـيش يحدث عن عديّ بن حاتـم، قال: قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الضَّالِّـينَ: النَّصَارَى" .

وحدثنـي علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب، عن حماد بن سلـمة، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عديّ بن حاتـم، قال: سألت النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن قول الله{ وَلا الضَّالِّـينَ } قال: "النَّصَارَى هُمُ الضَّالونَ" .

وحدثنا حميد بن مسعدة الشامي، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا الـجريري، عن عبد الله بن شقـيق: أن رجلاً أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مـحاصر وادي القرى قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: "هَؤُلاءِ الضَّالونَ: النَّصَارَى" .

وحدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن عروة، يعنـي ابن عبد الله بن قـيس، عن عبد الله بن شقـيق، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن بديـل العقـيـلـي، قال: أخبرنـي عبد الله بن شقـيق، أنه أخبره من سمع النبـي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو علـى فرسه وسأله رجل من بنـي القـين فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: "هَؤُلاءِ الضَّالونَ" .

، يَعْنِـي النَّصَارَى.

وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن خالد الـحذاء، عن عبد الله بن شقـيق، أن رجلاً سأل النبـي صلى الله عليه وسلم، وهو مـحاصر وادي القرى وهو علـى فرس من هؤلاء؟ قال: "الضَّالونَ" .

يَعْنِـي النَّصَارَى.

وحدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن مـجاهد:{ ولا الضالـين } قال: النصارى.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس:{ ولا الضالـين } قال: وغير طريق النصارى الذين أضلهم الله بِفِرْيتهم علـيه. قال: يقول: فألهمنا دينك الـحقّ، وهو لا إلٰه إلاّ الله وحده لا شريك له، حتـى لا تغضبَ علـينا كما غضبت علـى الـيهود ولا تضلَّنا كما أضللت النصارى فتعذّبنا بـما تعذبهم به. يقول: امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك.

وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس الضالـين: النصارى.

وحدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر، عن إسماعيـل السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: ولا الضالـين: هم النصارى.

وحدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: أخبرنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر، عن ربـيع: ولا الضالـين: النصارى.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: ولا الضالـين النصارى.

وحدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبـيه. قال: ولا الضالـين النصارى.

قال أبو جعفر: وكل حائد عن قصد السبـيـل وسالك غير الـمنهج القويـم فضالّ عند العرب لإضلاله وجه الطريق، فلذلك سَمَّى الله جل ذكره النصارى ضُلاّلاً لـخطئهم فـي الـحق منهج السبـيـل، وأخذهم من الدين فـي غير الطريق الـمستقـيـم.

فإن قال قائل: أو لـيس ذلك أيضاً من صفة الـيهود؟ قـيـل: بلـى. فإن قال: كيف خصّ النصارى بهذه الصفة، وخص الـيهود بـما وصفهم به من أنهم مغضوب علـيهم؟ قـيـل: إن كلا الفريقـين ضُلاّل مغضوب علـيهم، غير أن الله جل ثناؤه وَسَم كل فريق منهم من صفته لعبـاده بـما يعرفونه به إذا ذكره لهم، أو أخبرهم عنه، ولـم يَسِمْ واحداً من الفريقـين إلا بـما هو له صفة علـى حقـيقته، وإن كان له من صفـات الذم زيادات علـيه. وقد ظن بعض أهل الغبـاء من القدرية أن فـي وصف الله جل ثناؤه النصارى بـالضلال بقوله:{ وَلا الضالِّـين } وإضافته الضلال إلـيهم دون إضافة إضلالهم إلـى نفسه، وتركه وصفهم بأنهم الـمضللون كالذي وصف به الـيهود أنهم الـمغضوب علـيهم، دلالةً علـى صحة ما قاله إخوانه من جَهَلَةِ القدرية جهلاً منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه. ولو كان الأمر علـى ما ظنه الغبـيّ الذي وصفنا شأنه لوجب أن يكون شأن كل موصوف بصفة أو مضاف إلـيه فعل لا يجوز أن يكون فـيه سبب لغيره، وأن يكون كل ما كان فـيه من ذلك لغيره سبب فـالـحق فـيه أن يكون مضافـاً إلـى مسببه، ولو وجب ذلك لوجب أن يكون خطأ قول القائل: «تـحركت الشجرةُ» إذا حركتها الرياح، و«اضطربت الأرضُ» إذا حركتها الزلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكتاب.

وفـي قول الله جل ثناؤه: { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22] بإضافته الـجري إلـى الفلك، وإن كان جَرْيُها بإجراء غيرها إياها، ما يدل علـى خطأ التأويـل الذي تأوله من وصفنا قوله فـي قوله:{ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }، وادعائه أن فـي نسبة الله جل ثناؤه الضلالةَ إلـى من نسبها إلـيه من النصارى تصحيحاً لـما ادعى الـمنكرون أن يكون لله جل ثناؤه فـي أفعال خـلقه سببٌ من أجله وُجدت أفعالهم، مع إبـانة الله عز ذكره نصّاً فـي آي كثـيرة من تنزيـله أنه الـمضلّ الهادي فمن ذلك قوله جل ثناؤه: { { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [الجاثية: 23] فأنبأ جل ذكره أنه الـمضلّ الهادي دون غيره.

ولكن القرآن نزل بلسان العرب، علـى ما قد قدمنا البـيان عنه فـي أول الكتاب. ومن شأن العرب إضافة الفعل إلـى من وُجد منه، وإن كان مسببه غير الذي وجد منه أحياناً، وأحياناً إلـى مسببه، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيرُه. فكيف بـالفعل الذي يكتسبه العبد كسبـاً ويوجده الله جل ثناؤه عينا مُنْشأةً؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلـى مكتسبه كسبـاً له بـالقوة منه علـيه والاختـيار منه له، وإلـى الله جل ثناؤه بإيجاد عينه وإنشائها تدبـيراً.

مسئلة يسأل عنها أَهل الإلـحاد الطاعنون فـي القرآن

إن سألنا منهم سائل فقال: إنك قد قدمت فـي أول كتابك هذا فـي وصف البـيان بأن أعلاه درجة وأشرفه مرتبة، أبلغه فـي الإبـانة عن حاجة الـمبـين به عن نفسه وأبْـينُه عن مراد قائله وأقربه من فهم سامعه، وقلت مع ذلك إن أولـى البـيان بأن يكون كذلك كلام الله جل ثناؤه بفضله علـى سائر الكلام وبـارتفـاع درجته علـى أعلـى درجات البـيان. فما الوجه إذ كان الأمر علـى ما وصفتَ فـي إطالة الكلام بـمثل سورة أمّ القرآن بسبع آيات؟ وقد حوت معانـي جميعها منها آيتان، وذلك قوله: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 4-5] إذ كان لا شك أن من عرف: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4] فقد عرفه بأسمائه الـحسنى وصفـاته الـمثلـى. وأنَّ من كان لله مطيعاً، فلا شك أنه لسبـيـل من أنعم الله علـيه فـي دينه متبع، وعن سبـيـل من غضب علـيه وضل منعدل، فما فـي زيادة الآيات الـخمس البـاقـية من الـحكمة التـي لـم تـحوها الآيتان اللتان ذكرنا؟

قـيـل له: إن الله تعالـى ذكره جمع لنبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم ولأمته بـما أنزل إلـيه من كتابه معانـي لـم يجمعهن بكتاب أنزله إلـى نبـي قبله ولا لأمة من الأمـم قبلهم. وذلك أن كل كتاب أنزله جل ذكره علـى نبـي من أنبـيائه قبله، فإنـما أنزله ببعض الـمعانـي التـي يحوي جميعها كتابه الذي أنزله إلـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم، كالتوراة التـي هي مواعظ وتفصيـل، والزَّبُور الذي هو تـحميد وتـمـجيد، والإنـجيـل الذي هو مواعظ وتذكير لا معجزة فـي واحد منها تشهد لـمن أنزل إلـيه بـالتصديق. والكتابُ الذي أنزل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم يحوي معانـي ذلك كله، ويزيد علـيه كثـيراً من الـمعانـي التـي سائر الكتب غيره منها خالٍ، وقد قدمنا ذكرها فـيـما مضى من هذا الكتاب. ومن أشرف تلك الـمعانـي التـي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله: نظمه العجيب، ورصفه الغريب، وتألـيفه البديع، الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الـخطبـاء، وكلَّتْ عن وصف شكل بعضه البلغاء، وتـحيرت فـي تألـيفه الشعراء، وتبلَّدت قصوراً عن أن تأتـي بـمثله لديه أفهام الفهماء. فلـم يجدوا له إلا التسلـيـم، والإقرار بأنه من عند الواحد القهار، مع ما يحوي مع ذلك من الـمعانـي التـي هي ترغيب، وترهيب. وأمر، وزجر، وقصص، وجدل، ومثل، وما أشبه ذلك من الـمعانـي التـي لـم تـجتـمع فـي كتاب أنزل إلـى الأرض من السماء.

فمهما يكن فـيه من إطالة علـى نـحو ما فـي أم القرآن، فلـما وصفت قبلُ من أن الله جل ذكره أراد أن يجمع بوصفه العجيب، ونظمه الغريب، الـمنعدل عن أوزان الأشعار، وسجع الكهان، وخطب الـخطبـاء، ورسائل البلغاء، العاجز عن وصف مثله جميع الأنام، وعن نظم نظيره كل العبـاد الدلالة علـى نبوّة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما فـيه من تـحميد وتـمـجيد وثناء علـيه، تنبـيه للعبـاد علـى عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مـملكته، لـيذكروه بآلائه ويحمدوه علـى نعمائه، فـيستـحقوا به منه الـمزيد ويستوجبوا علـيه الثوابَ الـجزيـل. وبـما فـيه من نعت من أنعم علـيه بـمعرفته، وتفضل علـيه بتوفـيقه لطاعته، تعريفعبـاده أن كل ما بهم من نعمة فـي دينهم ودنـياهم فمنه، لـيصرفوا رغبتهم إلـيه، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وبـما فـيه من ذكره ما أحل بـمن عصاه من مثلاته، وأنزل بـمن خالف أمره من عقوبـاته ترهيب عبـاده عن ركوب معاصيه، والتعرّض لـما لا قبل لهم به من سخطه، فـيسلك بهم فـي النكال والنقمات سبـيـل من ركب ذلك من الهلاك. فذلك وجه إطالة البـيان فـي سورة أم القرآن، وفـيـما كان نظيراً لها من سائر سور الفرقان، وذلك هو الـحكمة البـالغة والـحجة الكاملة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي العلاء بن عبد الرَّحمن بن يعقوب، عن أبـي السائب مولـى زهرة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ العَبْدُ: الـحَمْدُ لِلَّهِ رب العالَـمِينَ، قالَ اللَّهُ: حَمَدَنِـي عَبْدِي، وَإذَا قالَ: الرحْمَنُ الرَّحِيـمِ، قال: أثنى عَلـيَّ عَبْدِي، وَإذَا قالَ: مالِكِ يَوْمِ الدّينِ، قالَ: مَـجَّدَنِـي عَبْدِي، فَهَذَا لـي. وَإذَا قالَ: إياكَ نَعْبُدُ وَإياكَ نَسْتَعِينُ إلـى أنْ يَخْتِـمَ السورَةَ قالَ: فَذَاكَ لَهُ" .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـي السائب، عن أبـي هريرة، قال: إذا قال العبد: الـحمد لله، فذكر نـحوه، ولـم يرفعه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا الولـيد بن كثـير، قال: حدثنـي العلاء بن عبد الرحمن مولـى الـحرقة، عن أبـي السائب، عن أبـي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.

حدثنـي صالـح بن مسمار الـمروزي، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، قال: حدثنا عنبسة بن سعيد، عن مطرف بن طريف، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عَزّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَـيْنـي وبـينَ عَبْدِي نِصْفَـيْنِ وَلَهُ ما سألَ، فإذَا قالَ العَبْدُ: الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ، قالَ الله: حَمِدَنِـي عَبْدِي، وَإذَا قالَ الرَّحْمَنِ الرَّحيـمِ، قالَ: أثْنى عَلـيَّ عَبْدِي، وَإذَا قالَ: مالكِ يَوْم الدّين، قالَ: مَـجَّدَنِـي عَبْدِي، قالَ: هَذَا لـي وَلَهُ ما بَقـيَ" .