يقول تعالى ذكره: إن الذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة، فهم لذلك مكذّبون بالثواب والعقاب، متنافسون في زين الدنيا وزخارفها، راضون بها عوضاً من الآخرة، مطمئنين إليها ساكنين. {وَالَّذِينَ هم } عن آيات الله، وهي أدلته على وحدانيته، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له {غَافِلُونَ } معرضون عنها لاهون، لا يتأملونها تأمل ناصح لنفسه، فيعلموا بها حقيقة ما دلتهم عليه، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون.{ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ } يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين هذه صفتهم مأواهم مصيرها إلى النار نار جهنم في الآخرة. {بِمَا كَانُوا يَكْسِبونَ } في الدنيا من الآثام والأجرام ويجترحون من السيئات. والعرب تقول: «فلان لا يرجو فلاناً»: إذا كان لا يخافه. ومنه قول الله جلّ ثناؤه:
{ { ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً } }. ومنه قول أبي ذؤيب: إذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهاوخالَفَها فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {واطْمَأنُّوا بِها} قال: هو مثل قوله:
{ { مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها } }. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:{ إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدُّنْيا واطْمأَنُّوا بِها} قال: هو مثل قوله:
{ مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفُّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها } . حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدُّنْيا واطْمأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ } قال: إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح، ولها يحزن، ولها يسخط، ولها يرضى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:{ إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدُّنْيا واطْمأَنُّوا بِها...} الآية كلها، قال: هؤلاء أهل الكفر. ثم قال:{ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كانُوا يَكْسِبُوَنَ}.