التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
٤٨
-يوسف

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول: ثم يجيء من بعد السنـين السبع التـي تزرعون فـيها دأبـاً، سنون سبع شداد يقول: جُدوب قحْطه { يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُـمْ لَهُنَّ } يقول: يؤكل فـيهنّ ما قدمتـم فـي إعداد ما أعددتـم لهنّ فـي السنـين السبعة الـخصبة من الطعام والأقوات. وقال جلّ ثناؤه: { يَأْكُلْنَ } فوصف السنـين بأنهنّ يأكلهن، وإنـما الـمعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فـيهنّ، كما قـيـل:

نَهارُكَ يا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌولَـيْـلُكَ نَوْمٌ والرَّدَى لكَ لازِم

فوصف النهار بـالسهو والغفلة واللـيـل بـالنوم، وإنـما يسهى فـي هذا ويغفل فـيه وينام فـي هذا، لـمعرفة الـمخاطبـين بـمعناه، والـمراد منه: إلا قلـيلاً مـما تـحصنون، يقول: إلا يسيراً مـما تـحرزونه. والإحصان: التصيـير فـي الـحصن وإنـما الـمراد منه: الإحراز.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: { يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُـمْ لَهُنَّ } يقول يأكلن ما كنتـم اتـخذتـم فـيهنّ من القوت، { إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّا تُـحْصِنُونَ }.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { ثُمَّ يأْتـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ } وهنّ الـجدوب الـمـحول، { يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُـمْ لَهُنَّ إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّا تُـحْصِنُونَ }.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { ثُمَّ يأْتـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ } وهنّ الـجدوب، { يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُـمْ لَهُنَّ إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّا تُـحْصِنُونَ }: مـما تدّخرون.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّا تُـحْصِنُونَ } يقول: تَـخزُنون.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: { تُـحْصِنُون }: تـحرزون.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُـمْ لَهُنَّ إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّا تُـحْصِنُونَ } قال: مـما ترفعون.

وهذه الأقوال فـي قوله: { تَـحْصِنُونَ } وإن اختلفت ألفـاظ قائلـيها فـيه، فإن معانـيها متقاربة، وأصل الكلـمة وتأويـلها علـى ما بـيَّنت.